*عندما يُسأل عن تأجيل تقنيّ لموعد الانتخابات طرحه النائب غسّان سكاف يعلّق: "أتى وعرض عليّ اقتراحه بتأخير الانتخابات أسبوعين أو ثلاثة كي يتمكّن المغتربون من المجيء إلى هنا، فأجبته: ولا يوم واحد حتّى..".*
الجدل الحاليّ الدائر حول قانون الانتخاب غير مسبوق في تاريخ البرلمانات اللبنانيّة. ليس اشتباكاً على القانون النافذ، بل على مادّتين فيه. لا أحد ضدّه، بل يتمسّك به الأفرقاء جميعاً بلا استثناء ويرفضون استبداله بعدما جرّبوه مرّتين. مشكلتهم في المادّتين، لِمن يرفضهما كما لِمن يتمسّك بهما، أنّهم يريدون من الآن استخلاص نتائج الاقتراع. المفترض أنّ أيّ قانون للانتخاب لا يتكهّن بها بل يتركها للصناديق. يريدون من القانون حسم الفوز سلفاً عند البعض، وألّا يكون كذلك عند البعض الآخر.
المألوف في نزاعات الكتل النيابيّة على قوانين الانتخاب أن تدور إمّا حول تقسيم الدوائر الانتخابيّة، وإمّا حول عدد النوّاب. ذلك ما رافق قوانين الانتخاب المتعاقبة منذ عام 1934 إلى الأمس القريب. في كلّ مرّة يقترب موعد الانتخابات النيابيّة العامّة يُناقَش قانون جديد للانتخاب يستبدل ما سبقه، فيقع الانقسام في الغالب على تقسيم الدوائر. كان آخر انقسام اختُبِر عام 2013 عندما انتهى إلى التمديد لبرلمان 2009 مرّتين على التوالي حتّى عام 2017 مع إبصار القانون الحاليّ النور.
الانقلاب رأساً على عقب*
يقتصر الخلاف الحاليّ، مع التمسّك بالقانون، على المادّتين 112 و122، اللتين ترعيان إضافة ستّة مقاعد “قارّيّة” إلى مجلس النوّاب، وينقسم المختلفون عليهما بين من يتمسّك بهما ومن يريد إلغاءهما. كلتا المادّتين أجمعت الكتل النيابية على الموافقة عليهما عند إقرار القانون قبل ثماني سنوات، على الرغم من اقتران الموافقة عليهما بسريان تنفيذهما في الدورة الانتخابيّة التالية عام 2022. وهو ما لم يحدث بتعديل القانون والفسح في المجال آنذاك، وهو ما عُدّ استثناءً مؤقّتاً، لتصويت الانتشار للمقاعد الـ128.
انقلبت أخيراً المواقف رأساً على عقب. مَن وافق على تمثيل الانتشار، للمرّة الأولى في تاريخ قوانين الانتخاب، بمقاعد ستّة يُقترع عليها في أماكن وجوده، لم يعد يريده الآن. ومن لم يتحمّس في الأصل لتصويت الاغتراب ولم يقبل به مرّة، صار أكثر إصراراً على المقاعد الستّة.
بذلك يتولّد نكد في مقابل نكد، ونكاية في مقابل نكاية. إضافة إلى ذلك وقعت المشكلة التي تهدّد مصير الاستحقاق برمّته. بيد أنّه لا ينفصل في الواقع عن حقيقتين اثنتين:
– أولاهما، أنّ أحداً لا يقارب انتخابات 2026 على أنّها استحقاق دستوريّ دوريّ في ذاته، بل محاولة لقلب موازين القوى الداخليّة مع تجنّب هذه المرّة ما رافق انتخابات 2005 و”الخيانة” التي أوجبت إجراءها باتّفاق رباعيّ.
– ثانيتهما، ليس الوصول إلى انتخابات 2026 إلّا جزءاً لا يتجزّأ من مسار فرضت قواعده الحرب الإسرائيليّة على “الحزب”. بدأ بوقف للنار، وتواصل مع انتخاب رئيس للجمهوريّة ثمّ رئيس مكلّف للحكومة فتأليف حكومة لم تكن الكلمة الفصل فيها للثنائيّ الشيعيّ، لكن لم يُؤتَ بهم برضى الفريق الآخر.
مع أنّ الأفرقاء جميعاً ينفضون أيديهم من أيّ محاولة لتمديد ولاية البرلمان الحاليّ، بيد أنّ توسّع الاشتباك السياسيّ يوماً بعد يوم قد يقود إلى ما ينكرون السعي إليه. لم يقُل أحد، وآخر الملتحقين بالسجال رئيس الجمهوريّة جوزف عون قبل يومين، إنّه لا يريد الانتخابات النيابية في موعدها، ولم يقُل أحد أيضاً إنّه لا يريد مشاركة الانتشار فيها. لكنّ جوهر الانقسام يدور حول مقاربة كلّ منهم لطريقة إدماج الاغتراب في العمليّة الانتخابية.
يكمن العجز الكامل عن إيجاد حلّ للمشكلة في وجود غالبيّة نيابيّة تريد إلغاء المادّتين 112 و122، ورئيسٍ للبرلمان، بما يمثّل أيضاً كفريق سياسيّ يصطفّ وراءه 27 نائباً شيعيّاً هم كتلة الطائفة، يتشبّث بالإبقاء عليهما. تبعاً لتوازن القوى الحاليّ، الأكثريّة ليست مجدية، وقد جُرّبت بعد انتخابات 2005 و2009، لفرض الإلغاء في ظلّ امتناع الثنائيّ الشيعيّ الذي يمتلك سلاحاً أمضى فاعليّة في الوقت الحاضر من ذاك الذي يدور الصراع الداخليّ والخارجيّ من حوله، وهو الميثاقيّة البرلمانيّة.
ليأتوا بناخبيهم إلى لبنان..*
يختصر الرئيس نبيه برّي موقفه من السجال الدائر: “إذا كانوا لا يُحسنون تسديد الكرة فليس لي أن أوسّع لهم المرمى.”
عندما يُسأل عن المأزق الحاليّ يجيب: “المشكلة عند غيري وليست عندي. لدينا قانون نافذ يجب أن يُطبّق. وكما يريدون تصويت الانتشار أنا أيضاً أريده، وهو ما ينصّ عليه قانون الانتخاب. القانون واضح إذا طُبّق تبعاً لأحكامه. من يريد من الانتشار التصويت للمقاعد الستّة يستطيع أن يقترع لها في الخارج، ومن يريد منه التصويت للمقاعد الـ128 يستطيع أن يأتي إلى هنا ويفعل. بذلك يصلون إلى ما يريدون. لا تعارض بين الاقتراعين. ليعتبروا المقاعد الستّة غير موجودة، وليأتوا بناخبيهم إلى هنا. نطبّق القانون ولا أحد يربح على أحد بل نكسب جميعاً.”
يضيف: “لسنا في حاجة إلى أيّ تعديل للقانون، ولن أوافق على إلغاء الدائرة الـ16. في الانتخابات البلديّة أتى مغتربون كثيرون وصوّتوا في لبنان. في بلدة بخعون حضر 400 لبنانيّ من الكويت وصوّتوا. حصل ذلك في بلديّات أخرى.”
عندما يُسأل عن تأجيل تقنيّ لموعد الانتخابات طرحه النائب غسّان سكاف يعلّق: “أتى وعرض عليّ اقتراحه بتأخير الانتخابات أسبوعين أو ثلاثة كي يتمكّن المغتربون من المجيء إلى هنا، فأجبته: ولا يوم واحد حتّى. الانتخابات في موعدها وكلّنا نريدها. لا تأخير ولا تأجيل ولا تمديد.”
يقول برّي: “الكلّ وافق على القانون بالمقاعد الستّة عندما أُقرّ. لسنا أيتاماً في هذه التجربة. في فرنسا غير المقيمين والمنتشرون في بلدان أخرى يقترعون لنوّاب فرنسيّين موزّعين على 11 دائرة انتخابيّة في قارّات العالم، غير وطنيّة وخارج فرنسا، ويختارون نوّاباً عنهم بالتصويت لهم في السفارات والقنصليّات، ولا يقترعون لنوّاب الداخل الفرنسيّ.”
الكاتب : نقولا ناصيف
المصدر : أساس ميديا
