يُشبه أحد الخبراء قانون "الفجوة المالية" بأنه كلمة السر التي ستفتح باب التوصل إلى إتفاق مع صندوق النقد، و"الختم" الذي سيعتبره حاملي سندات "اليوروبوند" ضمانة لإعادة التفاوض مع لبنان حول دينه العام. بمعنى آخر هو العامود الفقري للإتفاق بين لبنان والصندوق، لأنه سيضع الأُطر لمعالجة فجوة مالية تُقدر بمليارات الدولارات وفقا للمنهجية التي يعتمدها الصندوق (تتضمن 5 قواعد سيجري تفصيلها لاحقا)، ومن هنا يُمكن فهم حالة الإرباك التي تعيشها وزارة المالية ومصرف لبنان بسبب القرض ال 16 مليار و500 مليون دولار، الذي زعم الحاكم السابق رياض سلامة أنه أعطاه للدولة عام2007 ، ومصرف لبنان حاليا يطالب به تحت عنوان إنصاف المودعين، لكن وزارة المالية تقول أنه غير موجود في دفاترها، ولا قيود رسمية ثابتة تؤكد إقتراض الدولة من مصرف لبنان هذا المبلغ.
للإيضاح عدم إيجاد حل لمبلغ 16مليار500 مليون دولار سيؤثر سلبا على توقيع الاتفاق مع صندوق النقد، لأن إحتسابه كدين على الدولة سيزيد من نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي، ما يعني فرملة أي إتفاق مع الصندوق، لأن ذلك يتعارض مع المنهجية التي يتبعها للوصول إلى إتفاق مع الدول. لذلك تجري اليوم مفاوضات بين وزارة المالية ومصرف لبنان يصفها البعض بأنها "طبخة بحص"، لإيجاد مخرج ل16 مليار و 500 مليون، علما أن هناك من يطالب "بتدقيق جنائي يبدأ في مصرف لبنان كونه مركز زلزال الأزمة، ومنه طارت دولارات المودعين وبداية الحل بإجراء تدقيق جنائي كامل، في حسابات البنك المركزي وبعده وزارة المالية".
محاولات سابقة لوضع قانون للفجوة!
قبل التطرق إلى المنهجية التي يريد صندوق النقد من الحكومة اللبنانية إتباعها لوضع قانون الفجوة المالية، لا بد من التذكير أنه تم تقديم ثلاثة مقترحات أساسية لمعالجة الفجوة المالية إلى الصندوق منذ بداية الأزمة، وكل منها يتضمّن مقاربة مختلفة لتوزيع الخسائر بين الدولة، مصرف لبنان، والمصارف. أولها ما يُعرف بقانون حسان دياب لتغطية الفجوة المالية عام 2020 ، وهي ليست قانونًا بحد ذاته، بل وثيقة رسمية تضمّنت مقترحات تشريعية لتوزيع الخسائر المالية، وتقوم أبرز ملامحها على أن حجم الفجوة المالية حسب الخطة حوالي 69 إلى 73 مليار دولار، ناتجة عن خسائر مصرف لبنان وخسائر المصارف التجارية وخسائر الدولة (ديون غير قابلة للسداد). وتتوزع الخسائر بين المصارف التجارية إذ تتحمّل الجزء الأكبر من الخسائر، و"شطب رساميل" وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإقتراح Bail-in (تحميل كبار المودعين جزءًا من الخسائر)، تُقرّ الخطة بالخسائر المحاسبية لمصرف لبنان وتحجيم ميزانيته، أما الدولة فلا تتحمّل مسؤولية مباشرة، ولم تُقترح خصخصة فورية.
حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قدّمت نسختين أساسيتين من "خطة التعافي المالي" لمعالجة الفجوة المالية، وليس قانونًا بحد ذاته، بل إطاراً تفاوضياً مع صندوق النقد الدولي، مع نية تحويلها لاحقًا إلى قوانين أولها خطة أيار 2022 (النسخة الأولى – بعد التفاهم الأولي مع صندوق النقد)، وقدّرت الفجوة المالية بنحو 72 مليار دولار، وحمّلت المصارف ومصرف لبنان الجزء الأكبر من الخسائر، وإقترحت إعادة هيكلة المصارف، حماية صغار المودعين، وتوزيع الخسائر عبر bail-in لكبار المودعين، ووافق صندوق النقد على هذه المقاربة ووقّع معها اتفاقًا مبدئيًا (Staff-Level Agreement).
في نيسان 2022 قدمت حكومة الرئيس ميقاتي خطة معدلة، خفّضت تقدير الفجوة إلى حوالي 55 مليار دولار، حاولت موازنة الضغوط السياسية عبر تقليل خسائر المصارف، لم تحظَ بتوافق سياسي أو مصرفي كافٍ، وصندوق النقد اعتبرها تراجعًا عن الإصلاحات.
قواعد صندوق لوضع قانون الفجوة
في المقابل يشرح مصدر مطلع أن "ما يطلبه الصندوق من قانون الفجوة هو تحديد ترتيب مُلزم لتحميل الخسائر بين المصارف، مصرف لبنان، الدولة، والمودعين، وإعطاء الضمانات الكافية لحماية المودعين ذوي الحسابات الصغيرة يهدد العدالة الاجتماعية، والقيام بتدقيق مالي وجنائي لتحديد الحجم الفعلي للفجوة ومصادرها. وأن يكون هذا القانون متكاملا مع قانون إعادة تنظيم المصارف، وربط القانون بالإصلاحات الضريبية والمالية. بإختصار صندوق النقد يطلب قانونًا يعترف بالحقيقة، ويضع آلية عادلة ومنطقية لتوزيع الخسائر، بدل الإستمرار بالإنكار وتأجيل الحلول.
أبو سليمان : الصندوق أن يريد لا تتحمل الدولة أعباء تعرقل رد ديونها إليه
يشرح الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان أن"لبنان يرتبط مع صندوق النقد بموضوعين أساسيين، الأول هو القرض الذي سنحصل عليه من الصندوق، بشرط الالتزام بشروطه كي يتأكد أنه سيسدد القرض، وأبرز هذه الشروط هي إستدامة الدين بمعنى أن يكون الدين العام بالنسبة للناتج المحلي أقل من مئة بالمئة، كما يطلب بتنفيذ الإصلاحات ومكافحة الفساد والهدر لأن هذه الاجراءات توصل إلى إستدامة الدين"، مشددا على أن"الصندوق يهمه عودة لبنان الى الأسواق المالية لفتح باب القروض والإستثمارات الأجنبية أمامه. من هنا ندخل على مبلغ 16 مليار دولار، لأن زيادة هذا المبلغ على الدين العام للدولة سيزيد نسبة الدين الى الناتج المحلي وهذا ما يرفضه الصندوق".
يضيف:"ما يهم الصندوق أن لا تتحمل الدولة أعباء تعرقل رد ديونها إليه، ومن هنا يجري البحث في شطب نحو 35 مليار دولار من الفجوة المالية. كما أن حاجة لبنان الى صندوق النقد تكمن أن الاتفاق معه هو جسر عبور للتفاوض مع دائني حملة السندات الخزينة (اليوروبند)"، لافتا ألى أنه "يتم التدواول بأن قانون الفجوة الذي يجري التحضير له يقترح الحفاظ على الودائع بقيمة 100 ألف دولار، على أن يتم إستردادها بالتواتر بين 3 و 5 سنوات ويقترح شطب الودائع غير مؤهلة، والسؤال هنا من هي الجهة المخولة فرز الودائع بين مشروعة وغير مشروعة؟ ولماذا لا يُستكمل التدقيق الجنائي ليطال المصارف ونعرف على أي أساس تمّ شطب هذه الودائع، هل مالكي هذه الحسابات هم من الفاسدين، هل حصلوا على فوائد عالية، مشتبه بهم في عمليات تبييض الأموال".
ويختم:"أعتقد أن صندوق النقد سيتوقف عند هذه الملاحظات، والأكيد أنه سيتمسك بإستدامة الدين العام، وعدم زيادته من خلال العجز في ميزانية الدولة".