فضيحة جديدة في وزارة الطاقة: عقد النفط العراقي يهدد لبنان بالعتمة وخسائر تفوق 50 مليون دولار سنوياً



تشهد وزارة الطاقة حالة من الارتباك والتخبّط الخطير في إدارة ملف استيراد الفيول، وسط خفة في التعاطي ومصالح ضخمة متمسكة بعقد النفط الخام العراقي، الذي تحوّل إلى مصدر استنزاف للمال العام بدل أن يكون باب إنقاذ. وتشير التقديرات إلى أن هذا العقد يسبب خسائر تفوق 4 ملايين دولار شهرياً، أي ما يقارب 50 مليون دولار سنوياً.

الإصرار على الإبقاء على هذا العقد لا يخدم المصلحة العامة، بل يصب في مصلحة احتكار وتواطؤ ثلاث شركات تتحكم منذ سنوات بمناقصات الفيول، وتتقاسمها فيما بينها عبر الغش والتزوير واستيراد فيول أو غاز أويل روسي مهرّب. وفي المقابل، ترفض وزارة الطاقة فتح مناقصات شفافة لشراء الفيول والغاز أويل مباشرة، وتتمسك بصفقات “استبدال النفط الخام العراقي” رغم فشلها المتكرر.

العقد الجديد الموقع من قبل الوزير جو الصدي يختلف عن العقود السابقة، إذ بات يقوم على استبدال النفط الخام بدلاً من الفيول أويل، ما جعل تنفيذه شبه مستحيل. فالمصافي العالمية لا تستقبل كميات صغيرة بحجم 500 ألف برميل فقط، وتشترط كميات لا تقل عن مليون برميل لتكريرها. وفي حال القبول بشراء هذه الكميات الصغيرة، تشترط المصافي خفض الأسعار بنحو 40 دولاراً للطن، أي ما يعادل 1.5 مليون دولار خسارة إضافية في كل ناقلة تتحملها الدولة لتغطية فروقات استبدال النفط الخام العراقي. هذه الشروط غير الطبيعية أدت إلى ارتفاع كلفة النقل وتفاقم الهدر، بحيث باتت كل باخرة تكلف خزينة الدولة ملايين الدولارات زيادة عن الأسعار العالمية.

تُظهر المعطيات أن الكميات المحددة من قبل وزارة الطاقة بـ500 ألف برميل بهذه الطريقة تخدم مصالح ضيقة مرتبطة بمصفاة Iplom حصراً، التي يمثلها في لبنان خليل خوري، وهو اسم تكرر سابقاً في ملفات توريد فيول روسي بأسعار السوق، ما يعزز الشبهات حول استمرار منظومة المصالح نفسها.

بعد استئناف العراق تصدير نفطه الخام عبر تركيا إلى البحر المتوسّط، فقدت صفقات استبدال النفط الخام جدواها الاقتصادية بالكامل، إذ ارتفعت كلفة النقل بشكل يفوق المنطق الاقتصادي، فيما أصبح بإمكان العراق تصدير نفطه مباشرة إلى موانئ البحر المتوسّط عبر خط الأنابيب، من دون الحاجة إلى عمليات شحن أو تبادل إضافية. وكان من المفترض بوزارة الطاقة اللبنانية، فور تغيّر هذا الواقع، أن تبادر إلى إعادة التفاوض أو تعديل العقد القائم بما يتناسب مع التطورات الجديدة، حفاظاً على المال العام ومنعاً لاستمرار الهدر الناتج عن صفقات لم تعد تحقق أي فائدة اقتصادية للبنان.

اليوم، وبعد فشل مناقصات وزارة الطاقة وامتناع الشركات الجدية عن التقدّم، أصبح لبنان مهدداً فعلياً بالعتمة الشاملة خلال الأسابيع المقبلة إذا لم يتم التراجع فوراً عن هذا النهج الكارثي.

أوساط متابعة للملف دعت فخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس نواف سلام إلى التدخل الفوري والحاسم لوقف هذه المهزلة، عبر خطوات عملية يمكن أن تشكّل مخرجاً للأزمة. وأبرز هذه الخطوات، فتح مناقصات شفافة لشراء الفيول والغاز أويل مباشرة عبر اعتمادات مصرفية من دون المرور بعملية استبدال النفط العراقي، ما يوفر على الدولة خسائر تفوق 1.5 مليون دولار في كل ناقلة. كما شددت الأوساط على ضرورة تعديل العقد العراقي ليتلاءم مع المتغيرات الحاصلة، خصوصاً بعد استئناف العراق التصدير عبر تركيا، وذلك عبر العودة إلى استلام الفيول أويل مباشرة أو السماح ببيع النفط الخام في الأسواق العالمية بدل حصره بالمصافي الأوروبية.

وأكدت المصادر نفسها أن رفع الكمية المستلمة في كل مناقصة من 500 ألف برميل إلى مليون برميل بات أمراً ملحاً لتفادي الشروط المجحفة التي تفرضها المصافي، مشيرة إلى أن أي تأخير في اتخاذ هذه الإجراءات سيقود البلاد إلى أزمة كهرباء جديدة، تنذر بعتمة شاملة في ظل تراجع المخزون وغياب الحلول الجدية.