أصدر مصرف لبنان (BDL) في ٢٥ مارس أول تقرير اقتصادي كلي له منذ تعيين الحاكم الجديد كريم سعيد، في خطوة تُعتبر علامة فارقة في مسار الإصلاحات المالية والنقدية في البلاد. ويأتي هذا التقرير على خلفية انتقادات دولية واسعة حول انعدام الشفافية في البيانات الاقتصادية اللبنانية خلال السنوات الماضية، ما جعله محط أنظار المؤسسات الدولية والمستثمرين على حدّ سواء.
منذ تسلّمه منصبه، أطلق الحاكم كريم سعيد سلسلة من الإجراءات الحاسمة هدفت إلى تثبيت استقرار الاقتصاد اللبناني وإعادة الاعتبار إلى دور المصرف المركزي كمرجعية وطنية موثوقة. هذه الإجراءات لم تقتصر على تحسين الإطار الرقابي للمصارف فحسب، بل شملت أيضًا إصلاحات هيكلية وإدارية أعادت رسم ملامح السياسة النقدية في لبنان.
ولعلّ أبرز ما حمله التقرير الجديد هو إشادة صندوق النقد الدولي (IMF) بمضمونه، ما يُشكّل إنجازًا مهمًا في التعاون بين المصرف المركزي وهيئة دولية بهذا الحجم. هذا القبول يُترجم عمليًا في فتح قنوات تعاون أوسع مع المؤسسات الدولية، ويُعزز فرص لبنان في استقطاب الدعم الفني والمالي الخارجي.
من المتوقع أن يُسهم هذا التعاون في دفع عجلة النمو الاقتصادي واستعادة ثقة المستثمرين المحليين والأجانب على حدّ سواء. فالشفافية ودقة البيانات أصبحتا شرطًا أساسيًا لأي كيان يفكّر في إعادة الاستثمار في لبنان، وهو ما يُعدّ بدوره بوابة لعودة تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات الإنتاجية إلى البلاد.
تبقى حصرية السلاح بيد الدولة الخطوة الأهم التي يجب تنفيذها للوصول إلى استقرار اقتصادي حقيقي وبدء توافد المستثمرين بثقة. فالمناخ الأمني والسيادي السليم هو الضمانة الأولى لأي نهضة اقتصادية مستدامة، إذ لا يمكن تحقيق الإصلاحات وجذب رؤوس الأموال في ظل وجود مراكز قوى مسلحة خارج سلطة الدولة.
ويُبرز التقرير مجموعة من المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي تعكس تحوّلًا ملحوظًا في الأداء الاقتصادي اللبناني خلال النصف الأول من عام ٢٠٢٥، أبرزها:
• توقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي مدفوعة بالاستقرار السياسي، نمو السياحة، وارتفاع الاستهلاك المحلي.
• انخفاض حاد في معدل التضخم إلى ١٥٪ في يونيو ٢٠٢٥، مقارنةً بـ٤٢٪ في يونيو ٢٠٢٤.
• زيادة احتياطيات المصرف المركزي من العملات الأجنبية والذهب بشكل لافت خلال النصف الأول من ٢٠٢٥.
• خطوات تنظيمية إيجابية مثل إقرار “قانون السرية المصرفية” الجديد و”قانون إعادة تنظيم النظام المصرفي”، ما يعكس التزامًا بإصلاحات بنيوية طويلة المدى.
تُؤكد هذه المؤشرات أنّ المسار الإصلاحي بدأ يترسخ فعليًا وأن النتائج الملموسة ستنعكس تدريجيًا على حياة المواطنين اللبنانيين. فعودة الاستثمارات المنتجة إلى البلاد ستؤدي إلى تحسين نوعية الحياة عبر خلق فرص عمل جديدة، وتطوير البنى التحتية، وتخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تراكمت على مدى سنوات.
بهذا التقرير، يضع مصرف لبنان بقيادة كريم سعيد الأساس لمرحلة جديدة من الشفافية والمساءلة، ويفتح الباب أمام لبنان للعودة إلى الخارطة المالية الدولية، بما يضمن تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.