ألتّعليم في لبنان...من حقٍّ مقدّسٍ إلى تجارةٍ مربحة



ألتّعليم في لبنان...من حقٍّ مقدّسٍ إلى تجارةٍ مربحة
د. ليون سيوفي – باحث وكاتب سياسي...
ومرشّح دائم لرئاسة الجمهورية اللبنانية

ألتّعليم هو العمود الفقري لأيّ وطنٍ، والرّكيزة الأولى لبناء مجتمعٍ واعٍ وقادرٍ على صناعة مستقبله. لكن في لبنان، تحوّل هذا الحقّ المقدّس إلى تجارةٍ رابحةٍ يديرها أصحاب المدارس الخاصّة، فيما الدّولة تتفرّج بصمتٍ مريب، تاركةً الأهل يُستنزفون حتى آخر ليرة، والطّلاب يُذلّون على أبواب الإدارات.
فتحت بعض المدارس أبوابها وباتت الأقساط المدرسيّة في مستوى لا يُطاق حيث تجاوزت الحدّ المعقول، و بات الأهل يشعرون أنفسهم “رهائن” عند الإدارات. ألبعض يُذلّ ويُهان كي يضمن مقعداً لابنه، الأهل صاروا عبيداً أمام أصحاب المدارس، والكثيرون منهم يُذلّون ويُهانون من أجل الحصول على تخفيضٍ في أقساط أبنائهم. وفي المقابل، يعيش الأساتذة، الّذين يُفترض أنّهم قلب العملية التعليمية، تحت خطّ الفقر بعدما تبخّرت قيمة رواتبهم. أيّ مفارقةٍ أبشع من أن يتحوّل التّعليم إلى سلعةٍ يتاجر بها بعض المحميين من زعماء الطّوائف، بينما المعلّم الّذي يصنع العقول يُهان ..هنا تبرز مفارقةٌ مؤلمةٌ، تجارةٌ بملايين الدّولارات من جهةٍ، وكرامةٌ مهدورةٌ للطّلاب والأهل والمعلّمين من جهةٍ أخرى.
من المسؤول؟
ألدّولة اللّبنانية، الّتي تخلّت عن المدرسة الرّسمية، فدفعت النّاس مرغَمين إلى المدارس الخاصّة.
ألدّولة في غياب السّياسات التّعليمية الوطنية، وترك التّعليم رهينةً للقطاع الخاص. 
ألنّظام السّياسي، الّذي حمى أصحاب المدارس الخاصّة وتركهم يتصرّفون كإقطاعيين على حساب الأهل.
ألنّقابات، الّتي اكتفت بالشّعارات ولم تفرض حلولاً عادلة للأهل والمعلّمين.
لماذا لا يصبح التّعليم مجانياً كالكثير من البلدان الّتي تحترم طلّابها لأنّهم مستقبل الوطن ؟
لأنّ الطّبقة الحاكمة لا تريد مجتمعاً متعلّماً وواعياً، بل تريده أسيراً للجهل والدّيون. مجانية التّعليم تعني دولة قوية، والدّولة القوية تعني نهاية سطوة المافيات السّياسية والمالية.
ألسّؤال هل من طريقةٍ نُنقذ بها هذا القطاع؟
نعم بإعادة إحياء المدرسة الرّسمية لتكون منافساً حقيقياً، بترميم بناها التّحتية وتأمين رواتب عادلة للأساتذة.
تشريع قانونٍ وطنيٍّ للتّعليم يفرض سقفاً واضحاً للأقساط في المدارس الخاصّة، ويمنع استغلال الأهل.
إطلاق صندوقٍ وطنيٍّ للتّعليم يُموَّل من ضرائبٍ على المصارف والشّركات الكبرى، لدعم التّعليم المجّانيّ أو شبه المجّانيّ.
دور البلديات والمغتربين في إنشاء مدارسٍ بلديةٍ أو دعم مشاريعٍ تعليميةٍ مستدامة.
ألتّحوّل إلى التّعليم الرّقمي لتخفيف كلفة الكتب والقرطاسية وتوسيع فرص التّعلّم.
إنقاذ التّعليم ليس خياراً، بل مسألة سيادةٍ وطنية. ألتّعليم ليس رفاهية، بل هو خطّ الدّفاع الأوّل عن مستقبل لبنان. وإذا استمرّ تحويله إلى تجارةٍ، فسيتحوّل المجتمع اللّبناني إلى طبقتين... نخبةٌ محتكرة للعلم والمستقبل، وغالبيةٌ مسحوقةٌ غارقةٌ في الجهل والذّلّ والدّيون.
فليكن التّعليم المجّانيّ إلزاماً وطنياً لا يُساوَم عليه، لأنّه وحده يصنع جيلاً حرّاً، ومواطناً كريماً، ودولةً تليق بتاريخنا.