ليون سيوفي - باحث وكاتب سياسي
منذ أن صمت الشّعب وقبِل بمؤتمر الطّائف، تبدّلت ملامح الجمهورية اللبنانية. لم يكن الاتفاق مجرّد ورقةٍ لإنهاء الحرب، بل كان صفقةً لإسقاط نظام الاستقلال، وإعطاء عفوٍ عامٍّ ماليٍّ وحربيٍّ شرّع جرائم أحزاب المليشيات في القرن العشرين، وفتح أبواب الحكم أمام من سفك الدّم ونهب المال.
تحوّل القتلة إلى وزراء، والنّاهبون إلى مشرّعين، والمليشيات إلى أحزابٍ تسيطر على الوزارات والإدارات، حتى صارت الدّولة نفسها أداةً بيدهم. صار القاضي والجلاد وجهًا واحدًا. واليوم، يحقّ لنا أن نسأل، كيف يُحاكم الشّعب طبقةً تمسك بكلّ مفاصل المحاسبة؟
ألجواب لن يأتي من هذه المنظومة نفسها، لأنّها صنعت قوانينها لتحمي ذاتها. وحده الشّعب، إذا كسر قيود الخوف والانقسام، قادرٌ على إسقاط الحصانات وفتح الملفّات المغلقة. لكنّ ذلك لا يتمّ بالشّعارات وحدها، بل عبر خريطة طريقٍ واضحةٍ للخلاص، باستعادة الشّرعية الشّعبية…
عمل مؤتمرٍ وطنيٍّ جامعٍ يضع دستورًا جديدًا لدولةٍ مدنيّةٍ عادلة.
إسقاط أيّ نصٍّ دستوريٍّ من إرث الطّائف يكرّس المحاصصة.
ألعدالة والمحاسبة بإلغاء العفو العامّ الماليّ والحربيّ، وإنشاء محكمةٍ وطنيّةٍ استثنائيّةٍ لمحاكمة الجرائم السياسية والمالية منذ 1975، وتحرير مؤسّسات الدولة بإعادة هيكلة الوزارات بعيدًا عن التّعيينات الحزبيّة وفرض معايير الكفاءة والنزاهة في التوظيف العام.
إصلاح النّظام الانتخابي، بجعل لبنان دائرةً انتخابيّةً واحدة، بنظامٍ نسبيٍّ ولائحةٍ وطنيّةٍ عابرةٍ للطوائف مع ضبط التّمويل الانتخابي وكشف مصادره.
إقتصادٌ شفّافٌ وعادلٌ، واسترجاع الأموال المنهوبة وملاحقة المتهرّبين، وكسر الاحتكارات التي تمسك برقاب اللبنانيين.
مصالحةٌ وطنيّةٌ حقيقيّةٌ بين جميع اللبنانيين واعترافٌ علنيٌّ بالجرائم وجبر الضرر للضّحايا مع حوارٍ شعبيٍّ لتجاوز ذاكرة الحرب الطائفية.
إنّ إسقاط إرث الطائف ليس ترفًا فكريًّا، بل ضرورةٌ وجوديّة. فلبنان لن ينهض ما دام أسير صفقةٍ أفرغت دولته من معناها، وحوّلت شعبه إلى رهينةٍ لمصالح أحزاب المليشيات.
الوقت حان… لنستعيد الجمهورية من خاطفيها. ماذا تنتظرون؟