الباحث في الشؤون العسكرية والعلاقات الدولية العميد الركن
الدكتور بهاء حلال:
في خطوة مثيرة للجدل، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 5 ايلول 2025 أمرًا تنفيذيًا يقضي بإعادة تسمية "وزارة الدفاع" إلى "وزارة الحرب"، مستعيدًا الاسم الذي كانت تحمله المؤسسة العسكرية الأمريكية منذ تأسيسها عام 1789 وحتى عام 1947. ورغم أن هذا التغيير رمزي في الوقت الحالي ولا يملك قوة قانونية لتعديل الاسم الرسمي المحدد بموجب قانون الأمن القومي لعام 1947 وتعديله في 1949، إلا أنه أثار جدلاً واسعًا حول أبعاده السياسية والاستراتيجية.
أولًا: الأسباب والدوافع وراء القرار :
1. إحياء "روح المحارب" وتعزيز العقيدة القتالية
يؤكد الرئيس ترامب ووزير الدفاع بيت هيغسيث أن إعادة التسمية تهدف إلى تعزيز "روح المحارب" داخل المؤسسة العسكرية، معتبرين أن اسم "وزارة الدفاع" يعكس موقفًا دفاعيًا سلبيًا، بينما "وزارة الحرب" تعبر عن استعداد هجومي وحزم في مواجهة التحديات.
2. الحنين إلى الماضي والانتصارات التاريخية
يشير ترامب إلى أن الولايات المتحدة حققت انتصاراتها الكبرى، مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية، تحت اسم "وزارة الحرب"، بينما شهدت تدخلات أقل نجاحًا بعد تغيير الاسم، مثل فيتنام وأفغانستان والعراق. ويرى أن العودة إلى الاسم القديم قد تعيد هيبة المؤسسة العسكرية.
3. مواجهة ما يُسمى بـ"ثقافة اليقظة" داخل الجيش
تأتي هذه الخطوة ضمن حملة أوسع يقودها ترامب وهيغسيث لإزالة ما يعتبرونه تأثيرات "ثقافة اليقظة" داخل الجيش، بما في ذلك برامج التنوع والمساواة، حيث تم إلغاء العديد من المبادرات والمواد التعليمية المتعلقة بالتنوع.
ثانيًا: التداعيات المحتملة
1. تكاليف مالية وإدارية باهظة
تقدّر بعض التقارير أن تغيير الاسم قد يكلف مليارات الدولارات، نظرًا للحاجة إلى تعديل اللافتات، الوثائق الرسمية، والمحتوى الرقمي عبر أكثر من 700,000 منشأة عسكرية في الولايات المتحدة وحول العالم.
2. إثارة الجدل القانوني والدستوري
نظرًا لأن الاسم الرسمي لوزارة الدفاع محدد بموجب قانون صادر عن الكونغرس، فإن تغيير الاسم يتطلب تشريعًا جديدًا، مما يثير تساؤلات حول مدى قانونية الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب.
3. تأثيرات على السياسة الخارجية والدبلوماسية :
قد يُنظر إلى إعادة التسمية على أنها تعبير عن توجه أكثر عدوانية في السياسة الخارجية الأمريكية، مما قد يؤثر على علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها ويزيد من التوترات مع خصومها.
ثالثًا: الأهداف الحالية والمستقبلية :
1. تعزيز صورة القيادة القوية
يسعى ترامب من خلال هذه الخطوة إلى ترسيخ صورته كقائد قوي يعيد الهيبة للمؤسسة العسكرية، خاصة في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية.
2. إعادة تشكيل العقيدة العسكرية الأمريكية :
قد تمهد هذه الخطوة لتغييرات أوسع في العقيدة العسكرية الأمريكية، بحيث يتم التركيز أكثر على الاستعداد للهجوم بدلاً من الدفاع فقط، مما قد يؤثر على استراتيجيات التدريب والتسليح.
3. تأثيرات على البنية التنظيمية للحكومة :
قد تشجع هذه الخطوة على إعادة تقييم أسماء وأدوار مؤسسات حكومية أخرى، مما قد يؤدي إلى تغييرات تنظيمية أوسع داخل الحكومة الفيدرالية.
رابعًا: التأثير على النظام الأمريكي :
1. تحدي مبدأ الفصل بين السلطات
يُعتبر إصدار أمر تنفيذي لتغيير اسم مؤسسة حكومية محدد بموجب قانون صادر عن الكونغرس تحديًا لمبدأ الفصل بين السلطات، مما قد يؤدي إلى نزاعات قانونية ودستورية.
2. تأثيرات على الثقافة السياسية والإعلامية
أثار القرار جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، حيث يرى البعض أنه محاولة لتحويل الانتباه عن قضايا أكثر أهمية، بينما يعتبره آخرون خطوة ضرورية لتعزيز القوة العسكرية.
3. تأثيرات على الهوية الوطنية :
قد تؤثر إعادة التسمية على كيفية تصور المواطنين الأمريكيين لدور الجيش ومكانته في المجتمع، مما قد يؤدي إلى تغييرات في الهوية الوطنية والثقافة السياسية.
*خاتمة*
إعادة تسمية "وزارة الدفاع" إلى "وزارة الحرب" ليست مجرد تغيير رمزي في الاسم، بل تعكس تحولًا في الرؤية السياسية والعسكرية للولايات المتحدة. بينما يرى البعض أنها خطوة لتعزيز القوة والهيبة، يعتبرها آخرون محاولة لتكريس توجه أكثر عدوانية قد تكون له تداعيات داخلية وخارجية خطيرة. يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه الخطوة ستُترجم إلى تغييرات فعلية في السياسات العسكرية والدبلوماسية، أم أنها ستظل مجرد رمز في معركة سياسية أوسع.