“بيروت بين السّفارات… أمّةٌ بلا سيادة؟”

“بيروت بين السّفارات… أمّةٌ بلا سيادة؟”





د. ليون سيوفي – باحث وكاتب سياسي
مرشّحٌ سابقٌ لرئاسة الجمهورية 
في كلّ مرّةٍ يهبط فيها دبلوماسيٌّ غربيٌّ في مطار بيروت، نشهد استعراضاً لا يشبه الزّيارات الطّبيعية بين الدّول، إجتماعاتٌ مغلقةٌ مع الرّؤساء والقادة الأمنيين، إملاءاتٌ تُسمّى “نصائح”، تهديداتٌ تُغلّفٌ بـ”الحرص على الاستقرار”،ومواقفٌ تُعلَن وكأنّ البلاد تُدار من خارجها.
فما الّذي يجعل هؤلاء يتصرّفون كأنّهم أوصياء على لبنان؟
هل تعلمون أنّ عقدة “المفوّض السّامي” لم تنتهِ؟
منذ الانتداب الفرنسي، وما تبعه من نفوذٍ بريطانيٍّ ثمّ أميركيٍّ، بقيت بيروت ساحة مفتوحة لـ”الإدارة من الخارج”.
فالغرب لم يسلّم لبنان استقلاله كاملاً، بل أبقاه مشروطاً بشبكات النّفوذ، والرّبط بالمساعدات، والهيمنة على القرار المالي والعسكري.
ومن هنا، فإنّ كلّ دبلوماسيٍّ غربيٍّ لا يأتي كمجرّد سفير…بل كـ مندوبٍ سياسيٍّ للأمر والنّهي والمراقبة.
غياب الدّولة يفتح باب الوصاية....حين تصبح الدّولة رهينة المحاصصة والطّائفية والتّبعية، حين يفشل النّظام في إنتاج قرارٍ وطنيٍّ مستقلٍّ،
وحين يلجأ أهل السّلطة إلى السّفارات لحماية مناصبهم، يتحوّل السّفير إلى “قائد ظلّ”،
وتفقد الجمهورية هيبتها، وتتحوّل الحكومة إلى مرفقٍ إداريٍّ للأجانب.
ألدّبلوماسيون الغربيون لا يحتاجون للدّبابات،
فلديهم ما هو أقوى:
ألمساعدات المشروطة، ألقروض الموجَّهة، ألعقوبات، ألدّعم الإعلامي أو التّشويه، ألتّحكّم بالمنظّمات غير الحكومية ومفاصل المجتمع المدنيّ.
هم لا يدخلون من أبواب المؤسّسات فقط، بل من قلوب بعض النّخب الّتي تطلب الرّضى الغربي أكثر ممّا تطلب ثقة الشّعب.
من يُمهِّد لهم الطّريق؟
لا يمكن لوم السّفراء وحدهم، فمن يفتح لهم الأبواب ويطلب وساطاتهم ويُسلِّمهم مفاتيح السّيادة،
هو من خان الدّستور، وباع القرار الوطنيّ بثمنٍ بخس.
هم يستقوون لأنّ هناك مسؤولين يفتخرون بالرّضى الأميركيّ أكثر مما يعتزون بثقة النّاس.
حين تستقوي الدّول بشعبها، لا يجرؤ أيّ دبلوماسيٍّ على لعب دور الحاكم.
وحين تستقوي الحكومات بالسّفارات، يصبح الوطن بلا كرامة… وبلا سيادة.
ولذلك، فإنّ معركة لبنان الحقيقية ليست ضد احتلالٍ عسكريّ، بل ضدّ ذهنيّة الوصاية والعمالة والتّبعية،
وضدّ من لا يزال يعيش في ظلّ “المفوّض السّامي”… ولو تغيّر اسمه.
للأسف هذا هو لبنان ... وهؤلاء هم قادته وشعبه ...