أثار قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإعفاء السفير أشرف دبور من منصبه كنائب للمشرف على الساحة الفلسطينية في لبنان، موجة واسعة من التساؤلات حول خلفيات الخطوة وتوقيتها، في ظل تصاعد الجدل بشأن خطة نزع السلاح من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهي الخطة التي أعلن عنها عباس خلال زيارته إلى بيروت في 21 أيار الماضي.
القرار، الذي وصف بالبروتوكولي في ظاهره، أخذ أبعاداً سياسية حادة، لا سيما أن دبور كان يشغل دوراً تنفيذياً وسياسياً محورياً في ملف المخيمات والعلاقات مع السلطات اللبنانية، ما ربط إعفاءه بالخلافات الداخلية داخل حركة "فتح" حول طريقة التعامل مع قضية السلاح الفلسطيني في لبنان.
وفي تعليق لافت على قناة "الجديد" اللبنانية في 6 تموز الجاري، قال عزام الأحمد، المشرف على الساحة الفلسطينية في لبنان، إنه لم يُبلَّغ بالقرار مسبقاً، مؤكداً أن الرئيس عباس اتخذ القرار بشكل سريع، على عادته في إدارة الملفات المفصلية. تصريح الأحمد جاء في وقت تتصاعد فيه المؤشرات إلى وجود خلافات داخلية في "فتح"، بدأت تتجلى مع إعلان تشكيل اللجنة اللبنانية–الفلسطينية المشتركة التي أقرت خطة تنفيذية لنزع سلاح المخيمات، بدءاً من مخيمات بيروت.
لكن تنفيذ الخطة تعثّر سريعاً. ففي 16 حزيران، التاريخ المفترض لبدء جمع السلاح، أعلن مسؤول فلسطيني تأجيل الخطوة إلى موعد غير محدد بسبب "الأوضاع الراهنة". هذا التأجيل أتى في ظل معلومات عن اعتراضات داخل "فتح"، لاسيما من قبل السفير دبور وقيادات فلسطينية أخرى على طريقة مقاربة عباس للملف، ورفضهم التفرد في اتخاذ القرار من رام الله دون التشاور مع الفصائل العاملة على الأرض.
تُشير المعطيات إلى أن الساحة الفلسطينية في لبنان شهدت تصدعات داخلية منذ زيارة عباس إلى بيروت. فبحسب مصادر فلسطينية، امتنعت القيادة الفلسطينية عن استقبال فتحي أبو العردات، أمين سر "فتح" وفصائل منظمة التحرير في لبنان، ما دفع الأخير إلى الانكفاء، في حين سجلت اعتراضات واضحة من قبل دبور على تعديلات تم إدخالها على مسودة الاتفاق التي صيغت في عمّان، وتم إعلانها لاحقاً من قصر بعبدا باسم الرئيسين عباس وعون.
وفي سياق هذه التوترات، زار عزام الأحمد بيروت على رأس وفد عسكري وأمني لمناقشة تفاصيل تنفيذ خطة نزع السلاح، لكنه غادر من دون إصدار أي بيان أو نتائج ملموسة، وسط معلومات عن تباينات في الموقف الفلسطيني وتريث من قبل الفصائل.
وأظهرت الاعتصامات والبيانات الصادرة عن قواعد "فتح" في المخيمات، وخاصة في الرشيدية، عمق الرفض لقرار إقصاء دبور، واعتبار الخطوة محاولة لإقصاء مناضلين لحساب قيادات "مفروضة" من الخارج، على حد تعبير المعتصمين.
تحليلًا لخلفيات القرار ودوافع عباس، يرى مراقبون أن سحب السلاح من المخيمات يندرج ضمن استراتيجية سياسية يتبناها الرئيس الفلسطيني، قوامها ترسيخ خيار المفاوضات كنهج وحيد لحل الصراع، والتقليل من أهمية المقاومة المسلحة، بما يتماشى مع موازين القوى الحالية والهيمنة الأميركية–الإسرائيلية على المنطقة.
لكن هذا التوجه يصطدم بواقع ميداني معقّد، حيث لا تملك السلطة الفلسطينية نفوذًا فعليًا داخل عدد من المخيمات، خاصة في الجنوب، والتي باتت تحت تأثير مجموعات مسلحة غير منضوية في "فتح" أو منظمة التحرير.
ويرى محللون، منهم جهاد حرب وأحمد الحيلة، أن قدرة السلطة على تنفيذ مشروع نزع السلاح محدودة، وهي تعتمد بشكل شبه كامل على دعم الدولة اللبنانية. كما لا يمكن فصل هذا التحرك عن سياق إقليمي أوسع، ربما يرتبط بترتيبات دولية لتصفية السلاح غير الرسمي من لبنان، في إطار مقاربة متكاملة قد تطال لاحقاً سلاح "حزب الله".
لكن، وبحسب الحيلة، فإن ترجمة هذه الخطط على الأرض تبدو صعبة، بل ربما مستحيلة في المدى المنظور، في ظل انفجار الملفات الإقليمية من غزة إلى الجنوب اللبناني، والشكوك العميقة في نوايا الأطراف الدولية.