هل ستُقدم الدولة على حسم ازدواجيّة السل اح؟



تدرك السلطة في لبنان أنّ عدم احتكارها السلاح سيُبقيها من دون مساعدات، وقد لمست عدم قدرتها على معالجة الوضع المالي والاقتصادي ما لم تُعالج وضع السلاح، ومن الواضح أنها ما زالت لغاية اليوم تراهن على معالجته إمّا عن طريق "حزب اللّه" نفسه لجهة وصوله إلى قناعة بأنّ مشروعه المسلّح انتهى في لبنان والمنطقة، وإمّا عن طريق الخارج، ولكن لا مؤشرات بعد، ويا للأسف، على أنها ستضع جدولًا زمنيًّا لإنهاء السلاح غير الشرعي غير قابل للمراجعة ولا التراجع، خصوصًا أنّ التجربة مع السلاح الفلسطيني غير مطمئنة ولا مشجّعة، وكأنّ هناك من تعمّد توريط الدولة بخطوة والتراجع عنها للقول إن دولة عاجزة عن نزع السلاح الفلسطيني ستكون عاجزة حتمًا عن نزع سلاح "الحزب".

وعلى أهميّة وضع المخيّمات تحت السيادة اللبنانيّة، إلّا أنّ المشكلة الرئيسية في لبنان ليست في هذه المخيّمات، إنّما في سلاح "حزب اللّه"، وعندما يُنزع هذا السلاح يُنزع السلاح الفلسطيني تلقائيًّا، لأنّ من حال ويحول دون وضع المخيّمات تحت السيادة اللبنانية هو الممانعة بشقّيها نظام الأسد سابقًا، و "الحزب" حاليًّا، ولذلك، يجب إبقاء التركيز على إنهاء المشروع المسلّح لـ "الحزب"، وعندما ينتهي هذا المشروع يسقط السلاح الفلسطيني تلقائيًّا.

ولم يعد خافيًا الإغراء الأميركي للسلطة بالمساعدات وإطفاء الدين العام وتعويم لبنان، في حال بادرت إلى حسم ازدواجيّة السلاح، وليس خافيًا التلويح بالتخلّي عن البلد وتركه لمصيره في المواجهة مع إسرائيل في حال لم تبادر إلى احتكار السلاح، وليس خافيًا بأنّ هدف السلطة الوصول إلى دولة حقيقية، وليس خافيًا بأن "حزب اللّه" ما زال يرفض التخلّي عن سلاحه، وليس خافيًا بأنّ السلطة لم تحسم أمرها بعد بتخيير "الحزب" بين تسليم سلاحه طوعًا أو سيتمّ نزعه قسرًا، وليس خافيًا بأنّ الضغط على "الحزب" سيرتفع منسوبه من خلال مزيد من محاصرته ماليًّا وسياسيًّا وعسكريًّا وشعبيًّا.

وبمعزل عن الخطاب المكرّر لـ "حزب اللّه" عمّا يسمّى مقاومة، فإنّه يدرك أنّ مشروعه انتهى عمليًّا، ولكنّه يرفض الإقرار بذلك إمّا لرهانه على ظروف معيّنة، ولو كانت غير معلومة بالنسبة إليه، تعيد ترميم وضعيّته من منطلق أنّ تخلّيه عن السلاح يعني خسارته ورقة قوّته إلى الأبد، وإمّا لخشيته من تراجع تأثيره داخل بيئته، وإمّا لأنه غير جاهز بعد للانتقال إلى دور جديد، وإمّا لأنّ مرجعيّته لم تقرِّر الوجهة التي ستسلكها، وبمعزل عن تعدُّد الأسباب إلّا أنّ النتيجة تبقى واحدة وهي أن لا مؤشرات على أنّ "الحزب" في وارد تسليم سلاحه.

وفي الوقت الذي تعتبر فيه السلطة أن تمسُّك "حزب اللّه" بسلاحه يحرمها من الدعم الخارجي ويحرم بيئته من العودة إلى قراها ويعرِّضها لمخاطر تهجير جديدة، وفي الوقت الذي تتعرّض فيه السلطة لضغط أميركي من أجل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والقرارات الدولية واتفاق الطائف، يراهن "الحزب" على أنّ السلطة لن تصطدم به لنزع سلاحه بالقوّة، والمواقف التي أطلقها بدءًا بأمينه العام وصولًا إلى نوّابه وقيادته بعد أن وصلت إليه الورقة الأميركية تؤشر بوضوح على رفضه هذه الورقة وإصراره على موقفه من السلاح، وتوجيهه رسالة إلى السلطة بأنه سيواجه أي محاولة لنزع السلاح.

ويظنّ "الحزب" أنه بالترهيب والتهديد يجعل السلطة تتراجع، علمًا أنّ الأرض التي يقف عليها لم تعد صلبة بعد كلّ ما أصابه من ضربات استراتيجية مع استهداف إيران ومحاصرته جغرافيًّا وعسكريًّا وماليًّا وسلطويًّا وتراجع وضعيّته العسكرية، وعلى الرغم من ذلك يلعب ورقته الأخيرة من خلال محاولة تجميد أي خطوة سلطوية انطلاقًا من معرفته أن التعويل الدولي على احتكار السلاح هو على الدولة، وما لم تُقدم الدولة فإنّ سلاحه سيبقى معه.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستُقدم الدولة على حسم ازدواجيّة السلاح؟ لا مؤشرات على أنها ستُقدم إمّا لتهيُّب الخطوة، وإمّا لحواجز نفسية تتعلّق بعدم تبدُّل صورة "حزب اللّه" في ذهنها، وما كان مفهومًا ومبرّرًا قبل تشرين 2023 لم يعد كذلك اليوم، لأنّ التحوّل الذي حصل من طبيعة تاريخية واستراتيجية، حيث إنّ لون المنطقة تبدّل جذريًّا، والتغيير لا يقتصر على اغتيال قيادة "الحزب" وتدمير بنيته العسكرية، إنما يشمل المشروع الممانع برمّته بدءًا بإيران مرورًا بالعراق وسوريا، وصولًا إلى إصرار واشنطن ومن معها على نقل المنطقة من ضفّة ثقافة الموت إلى ضفّة ثقافة الحياة.
والدولة اليوم أقوى من "حزب اللّه" بكثير، لأنّ "الحزب" فقد قوّته وظهره المحلّي والإقليمي المزدوج الأسد والخامنئي، ويكفي أن تقول له إن تمسّكه بمشروعه يحرم طائفته وجميع اللبنانيين من الاستقرار والازدهار ويُبقيهم في الفقر والفوضى والتهجير، وإنها ستتبنّى خطة توم برّاك التي تحقِّق ثلاث خطوات كبرى وحيوية للبنانيين: احتكار الدولة السلاح، انسحاب إسرائيل وترسيم الحدود، وتعويم لبنان ماليًّا.

ولكن هل سيناريو مصارحة "حزب اللّه" سيحصل؟ للأسف لن يحصل، ولكن عدم حصوله لا يعني إطلاقًا أنّ "الحزب" هو الرابح، لأنّ الأخير خسر وكلّ يوم إضافيّ ستتعمّق خسارته أكثر فأكثر، إنّما الخاسر هو لبنان بترحيل حلّ الأزمة اللبنانية إلى وقت لاحق وحرمان اللبنانيين من الاستقرار والازدهار، وكأنّ السلطة قرّرت عدم الاصطدام بـ "الحزب"، وترك مسألة التخلّي عن مشروعه بيده على قاعدة ما لم يقتنع اليوم سيُجبر غدًا بعد توسُّع الاستهدافات الإسرائيلية وتجدُّد موجات التهجير.