كتب إدوارد غبريال في”الشرق الاوسط”: لعقود طويلة، قال المراقبون إن التغيير في الشرق الأوسط يسير بخطى بطيئة. لكن هذا الافتراض لم يعد صحيحاً. ما عليك سوى النظر إلى التحولات الدراماتيكية المشهودة في لبنان وسوريا وإيران خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة.
قبل عام، كان لبنان في حالة حرب مع إسرائيل. قلة هم الذين توقعوا وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في تشرين الثاني الماضي، وهو الحدث الذي أعقبه انتخاب زعيمين يحظيان باحترام واسع النطاق: الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام. وقد شكلا معاً حكومة تكنوقراط موجهة نحو الإصلاح، أعادت الأمل إلى قلوب المواطنين اللبنانيين في مستقبل أفضل إشراقاً واستقراراً. في سوريا، صُدم العالم بالسقوط المفاجئ لنظام الأسد والصعود الصاروخي لأحمد الشرع؛ القائد المعارض الإسلامي السابق الذي تحول إلى رئيس دولة إصلاحي. يقود الشرع الآن سوريا بسرعة نحو التطبيع مع إسرائيل وإعادة الاندماج في المنطقة.
في الأثناء ذاتها، عانى النظام الإيراني من انتكاسات عسكرية مدمرة، وجهازُه الاستخباراتي في حالة يُرثى لها، وتواجه البلاد مستقبلاً غامضاً. أدى ضعف إيران إلى تقلص نفوذها في المنطقة، مما أعاق «حزب الله» الذي لطالما عرقل سيادة البلاد وجهودها الإصلاحية.
حري بلبنان أن يكون أكبر مستفيد من هذه التحولات الإقليمية الهائلة. فقد أدت عقود من الحروب والصراع والانهيار الاقتصادي والفساد المنهجي وهيمنة «حزب الله» الطاغية… إلى إضعاف لبنان. لكن التيار قد بدأ أخيراً في التحول.
لقد ضَعُفَ «حزب الله» بشكل كبير، ومع تحول إيران إلى اتخاذ الموقف الدفاعي، تضاءلت قدرة «الحزب» على عرقلة السياسة اللبنانية. تتمتع الحكومة اللبنانية الجديدة الآن بالسلطة السياسية والقدرة على اغتنام فرصة فريدة لإعادة بناء البلاد وإصلاحها وإعادة تصور المستقبل. ورغم ذلك، فإن الوقت ليس في مصلحة لبنان.
يواجه لبنان خطر التخلف عن الركب. فكلما تأخر في الإصلاح ونزع السلاح، قلّت أهميته في أولويات الشركاء الغربيين ودول الخليج، وقلّت فرصته في الحصول على المساعدات الدولية التي تشتد الحاجة إليها.
إدراكاً منه لموقف لبنان الهش، أعرب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عن اهتمام نادر ومناسب بالبلاد، حيث ذكرها بشكل إيجابي في مناسبتين خلال الشهر الماضي. وقد أرسل أحد أقرب مستشاريه في الشرق الأوسط، السفير توم برّاك – الذي يشغل أيضاً منصبَيْ سفير الولايات المتحدة لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا – باقتراح جاد.
يتضمن هذا الاقتراح خطوات لاستكمال نزع سلاح جميع الميليشيات، بما في ذلك «حزب الله»، وترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وإسرائيل، وتأمين ضمانات بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المتنازع عليها. ومن المأمول أن تؤدي هذه الخطوات إلى علاقات سلمية بجيرانها.
كما أنه يؤكد على الحاجة الملحة لتنفيذ إصلاحات اقتصادية رئيسية تهدف إلى تهيئة الظروف اللازمة للاستقرار والسلام والازدهار على المدى الطويل. وستفتح هذه الخطوات الباب أمام الاستثمارات الدولية لإعادة بناء هذه الدولة التي مزقتها الحرب. غير أن الرئيس ترمب معروف بعدم صبره. وإذا شعر بتردد أو تأخير من بيروت، فربما يعيد توجيه اهتمام الولايات المتحدة نحو ساحات أسرع حركة وتطوراً، وهي سوريا وإسرائيل، والخليج، حيث تتقدم المصالح الاستراتيجية الأميركية بشكل أوضح. وهذا من شأنه أن يزيد من تهميش لبنان في بيئة تزداد فيها المنافسة على تمويل إعادة الإعمار والاهتمام الجيوسياسي.المنطقة تتغير بسرعة. هذه فرصة نادرة للبنان للحفاظ على الدعم الدولي في إعادة بنائه بعد أن مزقته الحرب، وإنشاء جيش قوي قادر على حفظ سيادة لبنان وضمان سلام البلاد مع جيرانها. إذا أرادت بيروت أن تكون جزءاً من هذا المستقبل، فعليها أن تدرك أهمية اقتراح برّاك. الوقت يمر، لكن الخيار للبنان: اغتنام هذه الفرصة، أو التخلف عن الركب.