جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة
في تطوّر نوعي لعلاقة الإدارة الأميركية بالمؤسسة العسكرية اللبنانية، أعلنت وكالة التعاون الدفاعي الأمني في الولايات المتحدة، أنّ وزارة الخارجية أصدرت في السابع من تموز 2025، قراراً بالموافقة على «صفقة عسكرية أجنبية محتملة» لحكومة لبنان، تتضمّن دعم طائرات A-29- SUPER TUCANO، والمعدّات ذات الصلة، بتكلفة تقديرية تبلغ 100 مليون دولار. وقد أخطرت الوكالة الكونغرس بالأمر لدى تقديمها الشهادة المطلوبة في شأنه.
لم يشكُ الجيش اللبناني في السنوات الأخيرة من نقص في السلاح، لكن كان عليه أن يكتفي بنوعيات منه تقتصر على معدات دفاعية، لا توفّر له سبُل المبادرة، من خلال تمكينه من تنفيذ هجمات استباقية، وذلك لافتقاره إلى الأسلحة الهجومية. وهذه الأسلحة كانت محظورة عليه بذريعة خشية وقوعها في يد «حزب الله» أو تنظيمات أخرى، على رغم من أنّ شيئاً من هذا لم يحصل سابقاً. والسؤال المطروح: هل زال الحظر، أو جُمّد، وهل يكون لدى الإدارة الأميركية اقتناع بأنّ مخاوفها المزعومة لم يَعُد لها ما يبرّرها، خصوصاً بعدما اتخذ مجلس الأمن قراراً بوقف إطلاق النار في 26 تشرين الثاني 2024؟
وفي مبرّرات صفقة الطائرات، رأت وكالة التعاون الأمني الأميركية، أنّ صفقة طائرات A-29 «ستدعم الجيش اللبناني في تنفيذ وقف الأعمال العدائية، من خلال توفير الصيانة لهذه الطائرة الأساسية المستخدمة في تقديم الدعم الجوي، كجزء من عملية المناورة البرية، بالإضافة إلى مهمّات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع المأهولة. لن يجد لبنان صعوبة في استيعاب هذه المعدات والخدمات في قواته المسلحة».
وكانت واشنطن قد شهدت بمبادرة من وزارة الخارجية الأميركية، إجتماعاً في مطلع السنة الجارية للجهات المانحة والشركاء والحلفاء، لمناقشة المساعدات الأمنية الحاسمة التي يحتاجها لبنان، لتنفيذ إتفاق وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل بحذافيره. ونتيجة ذلك، أعلنت الولايات المتحدة عن تقديم أكثر من 117 مليون دولار من المساعدات الأمنية الموسّعة والجديدة للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي. وتعتبر واشنطن أنّ هناك حاجة لمبلغ 250 مليون دولار، تُخصّص لدعم الجيش اللبناني وقوى الأمن، لتعزيز عملية الانتشار في منطقة جنوب الليطاني، وتطويع 6 آلاف عنصر جديد في صفوفه. على أن يشمل هذا المبلغ الآتي:
- توفير معدات: عربات وألبسة عسكرية والطعام وغيرها من التجهيزات. وكذلك دعم عمليات المراقبة والاستطلاع.
- دعم البنى التحتية للجيش ومنها الوقود والعمليات اللوجستية، وأعمال الصيانة للمعدات العسكرية والاتصالات. وكذلك دعم الجيش بالأسلحة والذخيرة. وثمة حاجة إلى مبلغ 80 مليون دولار إضافي لدعم عملية تطويع لعناصر جديدة لمصلحة الجيش اللبناني، وتعزيز مرتبات أفراد المؤسسة العسكرية وقوى الأمن الداخلي.
وفي سياق متصل، فإنّ إجتماع واشنطن لدعم الجيش في مطلع هذه السنة، شاركت فيه دول الاتحاد الأوروبي، وكان من ثمار هذه المشاركة أن أطلق الاتحاد مشروعاً لدعم الجيش بقيمة 12,5 مليون يورو، وهو سيوجّه لقيادة جهود التعافي وإعادة البناء، إزالة الانقاض والذخيرة غير المنفجرة، وتأهيل البنى التحتية الحيوية. ذلك كلّه عدا الذي أعلنته دولة قطر التي قدّمت مبلغاً بقيمة 60 مليون دولار. وتجدر الإشارة إلى أنّ الجانب اللبناني كان قد طلب شراء معدات دعم لوجستية وقطع غيار وأجهزة تشغيل... إلخ، وبلغت الصفقة 43,7 مليون دولار، وهذا المبلغ لا يحتاج لإخطار الكونغرس في شأنه.
وانطلاقاً ممّا تقدّم يمكن استنتاج الآتي:
أولاً: إنّ الولايات المتحدة هي المصدر الرئيس لتسليح الجيش اللبناني وتمويله، وهي التي تقود عملية دعمه وحشد المساعدات له من الاتحاد الأوروبي، والدول العربية المرتبطة معها بشراكات استراتيجية. وفي اختصار لا تسليح للجيش من خارج المظلة الغربية.
ثانياً: تنامي قوة الجيش واتساعها وتنوّع وجوهها، بنحو دفع واشنطن وحلفاءها إلى زيادة الثقة به وزيادة دعمه، والتعويل عليه. واعتباره ضامناً للاستقرار في الداخل.
ثالثاً: اعتبار الجيش صمام الأمان في مواجهة التوازنات الهشة القائمة في البلاد، والقابلة للاختلال وفتح الباب على تطورات درامية.
رابعاً: إنّ مؤسسة الجيش، ولو كانت تعكس في شكل أو بآخر، التركيبة اللبنانية بكل ما تستودع من عناصر قوة وضعف، تبقى أكثر المؤسسات اللبنانية ثباتاً وحضوراً شاملاً عابراً للمناطق والطوائف والأحزاب. إنّ الجيش اللبناني لم ينتقل من حال إلى حال، فلم ييمم مرّة شطر الشرق في سياق تفتيشه عن مصادر تسليحه، وحاول قدر المستطاع أن لا يقطع شعرة معاوية مع الدول التي يتحاشى الاعتماد عليها في هذا المضمار، لأسباب غير مجهولة لدى كثيرين.
وفي أي حال، فإنّ قيادة الجيش تعرف تماماً التحدّيات التي تواجه المؤسسة سياسياً، أمنياً واجتماعياً، لذلك فهي تتصرّف بشيء من الحذر مع الملفات الحساسة المطروحة، وهي تريد أن تتفهّم هواجس الجميع وتطلعاتهم إنطلاقاً من ثوابت الدولة اللبنانية في الحفاظ على وحدة الأرض والشعب والمؤسسات. فالجيش هو ابن بيئته، وعلى دراية تامة بمشكلاتها، ولذلك يرى في دعمه وجهاً من وجوه تمكينه للحفاظ على هذه المعادلة لا تقويضها. ومن هنا، يمكن فهم عدم مجاراته للقوى الضاغطة، والأصوات المرتفعة التي تريد زجّه في مغامرة لا تصبّ في خانة الاستقرار وتوطيد السلم الأهلي تحت عنوان لا يمكن الحسم فيه من دون حوار وآليات واضحة، خصوصاً في ظل استمرار إسرائيل في احتلالها لأجزاء من لبنان ومواصلة اعتداءاتها وجرائمها ضدّ مواطنيه وأراضيه.