اخبار الصحف اليوم






النهار...
قانون الانتخاب... حيث يكمن الصراع

لا شك في أن مفاعيل "اتفاق معراب" أعطت دفعاً سياسياً لإنتاج قانون جديد للانتخاب وصولاً إلى الصيغة الحالية.
لوسيان شهوان

لطالما شكّل قانون الانتخاب في لبنان، ببنوده وتقسيماته ودوائره، الممرّ التطبيقي إلى رسم التوازنات وتحديد الأكثريات النيابية التي تفرزها صناديق الاقتراع اللبنانية.
مع نهاية الحرب، أصرّت الوصاية السوريّة وأدواتها اللبنانية على إجراء تبدّلات جوهريّة في أساليب الحكم اللبناني انطلاقاً من قانون الانتخاب الذي أرادته سوريا مناسباً لاستراتيجيتها في الحصول على تأييد دائم من ثلثي أعضاء مجلس النواب. وهذا ما أدّى إلى ضغطها في اتجاه رفع عدد مقاعد المجلس من 108 (بحسب اتفاق الطائف) إلى 128، بحيث توزّع المقاعد الإضافية على دوائر انتخابية وفقاً لمصالحها في إدارة الحكم. 
 
هنا بدأت سوريا بضرب التوازن السياسي الذي أراده الطائف. فكان الأداء السوري-اللبناني في تلك الفترة التي امتدّت حتى عام 2005 مساساً مباشراً بالقاعدة البنيوية للنظام اللبناني التي ترتكز على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وقد شهدنا مع "تقسيمات غازي كنعان" وغيرها حصاراً مباشراً للصوت المسيحي بتركيبات انتخابية مجحفة في حق الشراكة الفعليّة ومفاهيمها. 
 
بعد اندحار الاحتلال السوريّ، دخل لبنان عصر الانقسام السياسي بين موالٍ لسوريا وإيران، وموالٍ لعناوين الدولة والشرعيّة، والقانون الانتخابي بمعناه التمثيلي لم يتبدّل. حتى داخل التموضعات السياسية الواحدة لم يكن هناك توافق كامل على صورة القانون ومضمونه، والسبب أن بعض الأفرقاء السياسيين كانوا مستفيدين من التقسيمات القديمة. 
 
كرّس اتفاق الدوحة عام 2008 توازنات جديدة عناوينها الثلث المعطّل ورئيس جمهوريّة توافقي والقانون الذي "ردّ الحقّ لأصحابو"، قانون الـ60 الذي جاهر به "التيار الوطني الحرّ" وخاض حملته الدعائية معلناً انتصاراً لم يُسَيَّل في صناديق الاقتراع وصحّة التمثيل... لم يتغيّر شيء!َ
 
بين طروحات "القانون الأرثوذكسي" والحملات الدعائية الوهميّة التي سيقت حوله، و"المختلط" الذي أنتج تقارباً بين قوى 14 آذار ولم يبصر النور في أروقة المجلس النيابي، "طارت" الانتخابات عام 2013 وتأجّل بتّ "عمق الصراع".
 
لا شك في أن مفاعيل "اتفاق معراب" أعطت دفعاً سياسياً لإنتاج قانون جديد للانتخاب وصولاً إلى الصيغة الحالية، بعد دخول لبنان آنذاك في عهد رئاسيّ جديد. والواقع أن الاختبار الأوّل للقانون الحالي عام 2018 لم يكن سيئاً في الشكل والمضمون، بعدما أفضت تقسيمات "القانون النسبي" مع الصوت التفضيلي الواحد إلى تحسين ملحوظ في التمثيل، بنسبة كبيرة، بين المسيحيين والمسلمين. غير أن البعض الآخر اعتبر أن شوائب كبيرة تسود القانون الحالي، كما أن جدلاً واسعاً حول بنود هذا القانون دخل في الآونة الاخيرة عمق النقاش السياسي، خصوصا بعدما أعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن تعديلاً قد يحصل على القانون في نقطة تتعلّق بالصوت التفضيلي، وهو يفضّل أن يكون هناك "صوتان تفضيليان" بدل الصوت الواحد. 
 
طرح برّي تلقفه البعض على أنه تكريس واضح لرغباته القديمة في الديموقراطية العدديّة وفي الوصول إلى قانون انتخابي يكون فيه "لبنان دائرة واحدة"، الأمر الذي ينسف صحّة التمثيل ويلغي تدريجاً فاعليّة صوت المكوّنات اللبنانية الأخرى. هذا الطرح بمعانيه العميقة يغيّر جوهر القانون الحالي في التمثيل والتوازن بين الجناحين الأساسيين في لبنان، وفي ذلك مساس بنقطة أكثر من مهمّة استغرقت ثلاثة عقود للوصول إليها، هي معالجة نوعيّة للتمثيل.
 
ليس من السهل التوصل إلى صيغة انتخابية جديدة كالتي اقترع على أساسها اللبنانيون في الجولتين الأخيرتين، وإذا أراد اللبنانيون عبوراً فعلياً إلى خيار الدولة والمؤسسات ضمن سقف الطائف كما يدّعي الجميع، فيجب مراعاة المناصفة ليس في الشكل كما كان يحدث في زمن الوصاية السورية، بل في الجوهر الذي يعكس القانون الانتخابي الحالي جزءا كبيرا من معانيه، في التمثيل الصحيح لجميع المكوّنات. ومعلوم أن هناك صيغاً انتخابية أخرى تلبّي حاجات صحّة التمثيل، شرط أن تكون بعيدة كل البعد عن لعبة الديموقراطيات العدديّة.