البساط الأخضر الذي يكسو المناطق الساحلية أو الجبلية بسبب انتظام المتساقطات المطرية، يكاد أن يكون غائباً تماماً في منطقة بعلبك ـ الهرمل، وعلى الأخص في الهرمل ومحيطها، هذه المنطقة الأكثر عرضة لمخاطر التصحر. يعود ذلك إلى العوامل المناخية المعروفة وتناقص المعدل الوسطي لتساقط الأمطار سنوياً، مما يجعل الأرض تنزف أخضرها وتفقد رونقها.
في السنوات الأخيرة شهدت المنطقة تراجعاً ملحوظاً في كميات الأمطار خلال فصل الشتاء بالإضافة الى سوء توزيع هذه الأمطار، مما أدى إلى أزمة مائية خانقة ونقص حاد في مستويات المياه الجوفية. لم يكن هذا الوضع مجرد تقلبات طبيعية عابرة، بل أسفر عن أضرار فادحة في الحقول والمحاصيل الزراعية الشتوية والصيفية، ليُثقل كاهل المزارعين الذين يعتمدونها مصدراً رئيسياً لاستدامة معيشتهم.
تُعَدّ ندرة الأمطار العامل الأساسي الذي ساهم في تدهور إنتاج المحاصيل البعلية والمروية، خصوصاً في الموسم الصيفي الذي يعتمد بشكل كبير على المياه الجوفية أو المخزنة. ومع تراجع هطول الأمطار، انخفضت مستويات المياه في البرك والمصادر الجوفية، مما زاد من التحديات في تأمين المياه اللازمة لري المحاصيل. كذلك القى غياب الأمطار بظلاله على المحاصيل الشتوية، مما جعلها أيضاً في حاجة ملحّة إلى الري، وهو ما زاد من حدة الأزمة بالنسبة الى المزارعين.
فكيف ستكون الحال في فصلٍ لم نشهد فيه تساقطاً كافياً للمطر، وصولاً الى أن الزراعات الشتوية نفسها باتت في حاجة ماسة الى الري؟
من هنا يشير المهندس الزراعي هادي المسلماني لـ”النهار”، الى “أن غياب الأمطار في السنوات الأخيرة قد أثر بشكل عميق على كل المحاصيل الزراعية بما فيها القمح والشعير، بحيث شهد الإنتاج تراجعاً حاداً”. ويوضح “أن هذا العجز في الأمطار أدى إلى تعرض بعض الأراضي لمخاطر التصحر، نتيجة تقلبات الطقس وعدم توفر الظروف المثلى للزراعة. إن هذا الوضع يعمّق من مخاوف المزارعين الذين يعتمدون بصورة أساسية على هذه المحاصيل لضمان غذائهم وأمنهم الغذائي”.
وبالانتقال إلى تأثير هذا الواقع على مواعيد الزراعة، يلفت المسلماني إلى “أن تأخر هطول الأمطار أجبر المزارعين على تأجيل زراعة المحاصيل الشتوية والبعلية من مواعيدها التقليدية بين 10 و15 تشرين الثاني، ليتأخر بدء الزراعة إلى كانون الثاني. وقد أسفر هذا التأخير عن ضعف عملية الإنبات، مما أدى بالمزارعين إلى تقليص مساحات زراعتهم كإجراء احترازي”.
ويرى “أن المزارعين أصبحوا يعتمدون بشكل متزايد على الري التكميلي وسيلة لتعويض النقص الحاد في الأمطار، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في الأكلاف وانخفاض حاد في حجم الإنتاج، والتسبب بخسائر فادحة للمزارعين. حتى أن المحاصيل الزراعية الصيفية لم تنجُ من وطأة هذه الأزمة، بالإضافة إلى الأشجار المثمرة التي تعاني بدورها من تداعياتها”.
ويعرب عن “قلقه العميق حيال التنبؤات المستقبلية، في ظل استمرار موجات الجفاف القاسية التي تعصف بالمنطقة، حيث يُنتظر أن يشهد الإنتاج تراجعاً ملحوظاً على صعيدي الكمية والنوعية، فضلاً عن تفشي الآفات الزراعية، وخصوصاً ما يتعلق بإنتاج القمح والشعير الذي قد يواجه خطراً جسيماً من فأر الحقل”.
يشير أمين سرّ النقابات الزراعية في لبنان جورج الفخري لـ”النهار” إلى أن الأزمة الاقتصادية الزراعية في بعلبك – الهرمل “ناتجة من الأضرار التي سببها نقص الأمطار. فقد أثر ضعف الموسم الزراعي على دخل الأسر التي تعتمد على الزراعة، وارتفعت أكلاف الري بسبب استخدام الآبار والمضخات التي تحتاج إلى الطاقة، مما زاد الأعباء المالية على المزارعين. كما أن المزارعين الذين يزرعون في الصيف واجهوا انخفاضاً كبيراً في إنتاجهم، مما جعل من الصعب عليهم تسويق محاصيلهم ودفع أكلاف الإنتاج”.
وعن الحلول التي يمكن أن تساعد في تقليل الأضرار الناتجة من قلة الأمطار في الشتاء، يرى أنه “رغم هذه الظروف الصعبة، هناك حلول إذ يمكن للمزارعين تحسين طرق الري وتخزين المياه لاستخدامها في أوقات الجفاف، بالإضافة إلى اعتماد طرق زراعية مستدامة مثل الزراعة من دون تربة واستخدام أنظمة الري بالتنقيط التي توفر المياه وتزيد من الكفاءة”.
من جانب آخر، تحتاج المنطقة إلى دعم من الدولة والقطاع الخاص لتحسين البنية التحتية للمياه، عبر بناء سدود جديدة وتعزيز السدود الحالية وكذلك تخصيص برامج دعم للمزارعين المتضررين من الجفاف.
في المحصلة، بات الوضع الزراعي المتأثر بشح الأمطار في المنطقة يمثل تحدياً كبيراً للمزارعين والأهالي. ولذلك، من الضروري أن تتضافر الجهود الرسمية والشعبية لتحسين إدارة الموارد المائية وتبني تقنيات الزراعة الحديثة. فالزراعة في بعلبك – الهرمل ليست مجرد مصدر دخل، بل هي جزء أساسي من هوية المنطقة الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فإن الحلول المستدامة والفعّالة ستساعد في حماية هذا القطاع الحيوي وفي ضمان استمرار الإنتاج الزراعي وحماية مصالح المزارعين.