Achrafieh News 📰
بقلم الدكتور جيلبير المجبر
في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها لبنان، وبين أزمات سياسية متشابكة، تسعى الحكومة اللبنانية جاهدة لتعزيز الشفافية والنزاهة في مؤسساتها العامة، في خطوة تبدو ضرورية. التعميم الذي أصدره رئيس الحكومة بوجوب تدقيق حسابات المؤسسات العامة من قبل مكاتب محاسبة قانونية محلية معتمدة هو خطوة إلى الأمام، لكنه يثير العديد من التساؤلات حول مدى استعداد الدولة لتنفيذ هذه الإجراءات بشكل فعّال.
لكن، هل نحن فعلاً مستعدون لهذا التحدي؟
في مثل فرنسي شهير يقول: “Ne pas mettre la charrue avant les bœufs” (لا تضع العربة أمام الثيران). وهذه المقولة تُحَذِّر من اتخاذ خطوات متسرعة دون وضع الأسس المناسبة أولاً. فتطبيق تدقيق الحسابات يجب أن يكون جزءًا من خطة عمل شاملة تتضمن قبل كل شيء بناء آليات رقابية محكمة، تحصين مكاتب التدقيق المحاسبي من أي نوع من أنواع الفساد أو التلاعب، ووضع تشريعات واضحة تضمن استقلاليتها.
إن مطالبة المؤسسات العامة بإجراء تدقيق لحساباتها هو بالطبع خطوة إيجابية نحو الشفافية، ولكن ذلك يتطلب في البداية وضع أساس قانوني وتنظيمي قوي، بعيدًا عن الشعارات الرنانة أو القرارات السطحية التي قد تخلق انطباعًا زائفًا بالإصلاح دون أن تُحقّق فعلاً أي تغيير حقيقي. على الحكومة أن تتبع نهجًا شاملًا ومدروسًا يبدأ بتأهيل وتدريب الكوادر المؤهلة في مؤسسات التدقيق، وتوفير الآليات التي تضمن عدم تأثير الضغوط السياسية أو المصالح الشخصية على هذه العمليات.
ومن خلال هذه الممارسة المسؤولة، يمكن لمؤسسات الدولة أن تبرهن على التزامها بالشفافية وأن تدير الموارد العامة بما يعود بالنفع على المواطن اللبناني، بعيدًا عن التسويف أو تكرار الأخطاء السابقة.
في النهاية، الشفافية لا تُبنى بالكلمات فقط، بل بخطة مدروسة وتطبيق فعلي للقرارات. فالسؤال الذي يبقى هو: هل نضع الأساسيات أولاً؟ وهل نحن مستعدون لحل المشكلات العميقة قبل أن نطلب من المؤسسات العامة أن تلتزم بأدوات محاسبة قد تكون غير فعّالة إذا لم تكن هناك رؤية شاملة وصحيحة؟
الشفافية تبدأ بالتخطيط، والخطوات المبدئية هي مفتاح النجاح في أي إصلاح حقيقي.