Achrafieh News 📰
بقلم الدكتور جيلبير المجبر
في هذا الزمان، حيث تتشابك الأحداث وتتداخل السياسات، يظل السؤال الذي يملأ أفكارنا ويشغل أذهاننا: أين هو العلم اللبناني؟ هذا العلم الذي لطالما كان رمزًا للوطن، رمزًا للحرية والكرامة، رمزًا للسيادة والاستقلال. أين اختفى هذا العلم الذي كان يرفرف عاليًا في كل المحافل، في كل الساحات، في كل زقاق من زقاق لبنان؟ هل اختفى كما اختفى التاريخ من ذاكرة الكثيرين؟ هل أصبح غريبًا في أرضه، مثلما أصبح الكثيرون غرباء في وطنهم؟
العلم اللبناني كان في يوم من الأيام رمزًا لمستقبل أفضل، لمستقبل من التضحية والشجاعة. حمل هذا العلم أجيالٌ بأكملها من اللبنانيين، الذين لم يترددوا في رفعه عالياً على جبهات القتال وفي الساحات الكبرى للاحتجاج والمطالبة بحقوقهم. كان العلم اللبناني هو الحامل لآمال الشعب، وكان حين يرتفع في الهواء، يرافقه صوت من أعماق لبنان يقول: “نحن هنا، نحن الشعب الذي لا يستسلم”. ولكن اليوم، وفي هذا الزمن الذي أصبحت فيه الألوان تتداخل، والأعلام تتعدد، يختفي علم لبنان في أحيان كثيرة، ويغيب عن المشهد السياسي والاجتماعي.
اليوم، وفي لبنان، نرى الأعلام تتدلى من كل زاوية. أعلام الأحزاب تملأ كل الشوارع، وكل الساحات. أعلام دول أخرى ترفرف فوق أرضنا، وكأنها هي التي تحدد مصيرنا. أعلام إيران وسوريا، وغيرها من الأعلام التي لا تمت بصلة لهويتنا الوطنية، باتت تهيمن على المشهد اللبناني، وفي بعض الأحيان نرى العلم اللبناني نفسه مغيبًا أو مغطى، وكأننا نسينا من نحن. أين هو هذا العلم الذي لا يجب أن ينافسه علم آخر، لأنه هو الذي يمثل لبنان بكل أبعاده، بكل تاريخه، بكل تنوعه، بكل نضاله من أجل أن يبقى حيًا. أين هو؟ هل أصبح في طي النسيان؟ هل تم إخفاؤه وسط الفوضى والتشرذم الذي نعيشه؟ أين الثقة التي وضعها أجدادنا فينا للحفاظ عليه؟
العلم اللبناني لم يكن يومًا مجرد قطعة قماش ملونة، بل كان وسيظل رمزًا لوحدة اللبنانيين جميعًا، مهما اختلفت مذاهبهم، وطوائفهم، وانتماءاتهم السياسية. كان علم لبنان يمثل المقاومة والتحدي، وكان يحمل في طياته روح الشعب اللبناني الذي لا يعرف الاستسلام. في كل مرة كان يرفرف فيها هذا العلم، كان يعكس صورة الشعب اللبناني، بكل معاناته وآماله وطموحاته.
ولكن في الآونة الأخيرة، أصبح هذا العلم بعيدًا عن الأنظار. في المحافل الدولية، في الأماكن العامة، حتى في مطاراتنا التي تمثل وجه لبنان للعالم، نرى أعلامًا أخرى ترفرف فوق أرضنا، في وقت كان يجب أن يكون فيه العلم اللبناني هو الوحيد الذي يرفع في السماء. هذا الظهور المفرط للأعلام الأجنبية هو نتيجة لتراكمات سنوات من ضعف السيادة وغياب القرار المستقل في لبنان. هذا الوضع الذي نعيشه اليوم هو تجسيد لعجزنا عن التمسك بهويتنا الوطنية، هو تجسيد لغياب الوعي بأهمية هذا الرمز الذي يمثلنا جميعًا.
أين هو الشعب الذي حمل هذا العلم في الماضي؟ أين هو الشعب الذي نزل إلى الشوارع، الذي خرج من كل زاوية، ليرتفع العلم اللبناني في الهواء، ليُظهر للعالم أننا شعب لا ينكسر؟ أين هو الشعب الذي حمل هذا العلم بفخر، ليعلن أن لبنان ليس مجرد نقطة في خريطة، بل هو وطن لا يشبه أي وطن آخر؟ هل أصبح الشعب اللبناني اليوم غافلاً عن هذا الرمز، أم أن الأعلام الأخرى قد سلبت منه قدرته على التمييز بين الهوية والوهم؟
إن غياب العلم اللبناني في بعض الساحات، واستبداله بالأعلام التي لا تمثل لبنان، هو بمثابة تحدٍ صارخ لهويتنا الوطنية. إنه إعلان صريح بأننا قد ضيعنا الطريق، وأننا أصبحنا في دوامة من الفوضى والتشويش السياسي والاجتماعي. ولكن، علينا أن نتساءل: هل يمكن أن نعيد هذا العلم إلى مكانته؟ هل يمكن أن نعيد له كرامته وأصالته؟
أعلم أنه سيكون من الصعب استعادة هذا الرمز المفقود في ظل هذه الظروف الصعبة، ولكن لا شيء مستحيل. الشعب اللبناني لا يمكن أن ينسى هويته، ولا يمكن أن ينسى علمه الذي يمثل تاريخه وحاضره ومستقبله. نحن بحاجة إلى صحوة وطنية، بحاجة إلى وعي جماعي يدفعنا لإعادة رفع هذا العلم كما كان، ليرفرف فوق كل الساحات، ليكون الراية التي تجمعنا، وليكون الرمز الذي يذكرنا بأننا شعب واحد، رغم كل ما نمر به من صعوبات.
اليوم، لا يمكننا أن نقبل بأن يصبح علم لبنان مجرد قطعة قماش مهملة في زاوية من زوايا العالم. علينا أن نرفع هذا العلم بكل فخر، وأن نعيد له مكانته في قلب كل لبناني، في قلب كل مواطن من هذا الوطن الذي عاش من أجل حرية هذا العلم وكرامته. لا يمكن لأحد أن يضعف هذا العلم، ولا يمكن لأحد أن يبدله، لأنه هو هوية لبنان، وهو ما يجب أن يظل رافعًا في السماء، مهما كانت الظروف.
أين هو علم لبنان اليوم؟ هو هناك، في قلب الشعب اللبناني، ينتظر منا أن ننهض جميعًا، وأن نرفع رايته عالياً في كل زاوية من هذا الوطن. لا مكان لغيره في سمائنا، ولا بديل له في هويتنا.