جاء في “الراي الكويتية”:
بين اعتباره يوم تكريس «النهاية» لـ «حزب الله» كمشروعٍ إقليمي وذراع عسكرية لإيران، وبين التعاطي معه على أنه إعلان «لم ننتهِ وباقون»، تحوّل التشييع المرتقب للسيد حسن نصر الله وخليفته السيد هاشم صفي الدين بعد غد في بيروت محطةً جرى تَحميلُها كل عناصر الصراع الداخلي في لبنان المنقسم منذ عقدين حول الحزب وسلاحه والذي لم يَخرج بعد من تحتِ ركام حربٍ «طَحَنَتْ» فيها إسرائيل البشر والحجَر وتم اقتيادُ البلاد إليها في اليوم التالي لـ«طوفان الأقصى».
وبين حدّيْ «النهاية» و«القيامة»، يسود اقتناعٌ لدى أوساط سياسية أنّ المغالاةَ في تصويرِ المشهديةِ الحاشدة للتشييع الذي سيُقام في مدينة كميل شمعون الرياضية ومحيطها وعلى طريق مطار بيروت على قاعدة أن «ما بعدها لن يكون كما قبْلها»، تعبّر عن حجم الخسارة التي شكّلها اغتيالُ نصر الله، الشخصية التي «لا تُعوَّض» لحزب الله كما للمحور الإيراني، وفي الوقت نفسه عن حاجة بيئةِ الحزب إلى «عَرْضِ قوة» شعبيّ يوجّه من خلاله رسائل برسْم الداخل والخارج، علّه يفرْمل مسار انحسار تأثيره المحلي والإقليمي، ربْطاً بنتائج الحرب وتَشظياتها «المميتة» على نظام بشار الأسد، وفق ما عَكَسَتْه الانتخابات الرئاسية كما تشكيل الحكومة الجديدة، وعودة الاحتلال الاسرائيلي إلى الجنوب على متن تفرُّد تل أبيب في تطبيق اتفاق وقف النار مع لبنان بنسخة «موازين القوى» الجديدة.
وبحسب هذه الأوساط، فإنّه وبعيداً من مشهدية التشييع الذي لا تشكيك في أنه سيكون «هادراً» شعبياً، فإن «المقياسَ» الحقيقي لـ «استعادة القوة»، بمعناها الذي يصحّح المتغيّرات «الكاسرة للتوازنات» ببُعدها الجيو – سياسي يَبْقى القدرة على استرداد الردع، ولو «بالحدّ الأدنى» مع إسرائيل، كما على وَقْف عملية بناء «لبنان الجديد» على أنقاض تجربةِ الحروب الموْصولة بمقتضياتِ المحور الإيراني ووحدة ساحاته.
وترى الأوساط نفسها أنّ المواجهةَ مع إسرائيل، والتي«أقفلها» عملياً اتفاق وقف النار الذي أنهى وجود «حزب الله» العسكري في جنوب الليطاني وأطلق مسار وضع حدٍّ لوضعيّته خارج الشرعية في كل لبنان، لم تَعُد ممكنةً ليس فقط بفعل إعلاء لبنان الرسمي خيار الديبلوماسيةِ لاستعادة التلال الخمس التي أبقت تل أبيب على احتلالها وتعهُّده حصر السلاح بيد الدولة واسترداد قرار الحرب والسلم إلى كنفها، بل أيضاً لأن الحزب فَقَدَ القدرةَ على التحرّك عسكرياً تحت عنوان «التحرير» في ضوء «الجِراح» الكبيرة التي أصابته جراء الحرب واصطدام الإصرار على«ترميم» وضعيّته بعينٍ حمراء خارجية و«يد طويلة» من إسرائيل صاحبة «حرية الحركة» لـ«إزالةِ أي خطرٍ وشيك»، وصولاً إلى «توقيعها» عملية اغتيال أحد عناصر الحزب في عيتا الشعب ترجمةً لرفْضها أي عودة له «كأفراد أو تنظيم» إلى جنوب الليطاني.
وإذ تتوقّف الأوساط نفسها عند أن احتلال التلال الخمس هو أحد أقوى المؤشرات على الخسائر التي مُني بها «حزب الله»، والتي كان يمكن أن تُترجم من إسرائيل بالسيطرة على مساحات أكبر من الأراضي اللبنانية لولا الرفض الدولي والأميركي خصوصاً، وذلك على عكس حرب 2006 حين انسحبتْ تل أبيب بالكامل فور وقف النار، تَعتبر أنّ «حزب الله»، لن يعود إلى القتال غداة تشييع نصر الله الذي سيشكّل مناسبةً لـ«تضميدِ الجِراح» ولمحاولة المحور الإيراني تظهير نفسه مجدداً على أنه لم يتفكّك في ضوءِ انكسار «الحلقة السورية» من قوس النفوذ الذي كان مترامياً حتى المتوسط.
وبحسب الأوساط فإن«حزب الله»، الذي يخوض معركة في أكثر من اتجاه لتمويل الإعمار، ليس في وارد الانخراط قريباً في الحرب من جديد، هو الذي سيضع الدولةَ اللبنانية وديبلوماسيتها والمجتمع الدولي أمام امتحانِ «التحرير الناعم»، وسيسعى إلى تكرار لعبة شراء الوقت ومحاولة الالتفاف على مندرجات اتفاق وقف النار في ما خص سلاحه، على أن يتعاطى مع ما سيكون «بالقِطعة»، مُعْلياً ما أمكن من واقعيةٍ تُخْفي ضيقَ هامشِ التحرك، وساعياً إلى تمريرِ الأشهر والحدّ من الخسائر ولمَ لا إعادة تكوين القوة، وصولاً إلى الانتخابات النيابية (أيار 2026) التي يريدُها لتجديد الإمساك بكامل مقاعد المكوّن الشيعي في البرلمان (مع الرئيس نبيه بري).
وتعتبر هذه الأوساط أن إشاعةَ قريبين من «حزب الله» أجواء عن انتخابات أيار 2026 والتوقّعات في شأنها، قد تحتمل «خطأ في الحساب»يشبه الذي ساد غداة بدء الاجتياح الجوي للبنان في سبتمبر الماضي حين امتصّ الحزب إطلاقَ تل أبيب عملية ضرب بنكٍ من آلاف الأهداف وسعى إلى تمرير العاصفة في ذروتها على أن ينقضّ بعدها على إسرائيل التي «سبقتْه» بالاغتيال – الزلزال لنصر الله في 27 أيلول، لافتةً إلى أن «الربط» هذه المرة مع استحقاقٍ موعده بعد نحو 15 شهراً يَنْطوي أولاً على تقديراتٍ يمكن ألا تصحّ وباتت إيران نفسها في «عيْنها» في ظلّ التحفز الأميركي – الإسرائيلي نحو التصرف مع «رأس الأخطبوط» بعصا الضغوط القصوى أو القوة العسكرية، ويُخفي ثانياً أن أيدي الحزب صارت مقيّدة داخلياً وإقليمياً.
على أن هذه القراءة لا تُسْقِط في أي حال الخشيةَ من أن لبنان يمكن أن يعود إلى دائرة توتراتٍ داخلية في ضوء اعتبار «حزب الله»، ومن خلفه إيران أن «رفْع الراية البيضاء» غير مطروح، وإصرار إسرائيل والمجتمع الدولي على «حلٍّ نهائي» لمسألة سلاحه، وسط إشاراتٍ غير مشجّعة شكّلها الاعتراضُ في الشارع غداة أزمة الطيران الإيراني وما واكبه من احتقانٍ وإحياء حساسياتٍ وتظهير الانقسام العمودي والأفقي في البلاد حيال سلاح الحزب وخياراته.
وفي حين يتحسّب لبنان ليومِ التشييع، كاختبار أمني دقيق، بإجراءاتٍ بينها إصدار وزير الدفاع ميشال منسى قراراً بتجميد مفعول تراخيص حمل الأسلحة على الأراضي اللّبنانيّة كافّة بين السبت والثلاثاء (ما خلا تراخيص حمل الأسلحة صفة ديبلوماسية وتلك الممنوحة لمرافقي الشخصيات السياسية والدينية)، فإنّ الأنظارَ تشخص بالتوازي في اتجاهين:
* أيّ من القوى السياسية اللبنانية سيشارك في مراسم التشييع وفق الدعوات التي وجّهها «حزب الله»، وسط ترقُّب تمثيلٍ لـ«التيار الوطني الحر» (يترأسه النائب جبران باسيل) والحزب التقدمي الاشتراكي (يترأسه النائب تيمور وليد جنبلاط)، وإعلان «تيار المستقبل» (يترأسه الرئيس سعد الحريري) عدم حضوره وكذلك قوى المعارضة.
أما التمثيل الرسمي، فيُرجّح أن يكون من خلال الرئيس بري الذي إذا شارك شخصياً فسيمثّل الرئيسان جوزف عون ونواف سلام، وإلا كان التمثيل من خلال وزيرٍ وفق التقديرات.
* الوفود التي ستشارك من خارج لبنان، في ظلّ الحساسية التي سيشكّلها حضور ممثلين وربما قادة من فصائل مدعومة من إيران، مثل الحشد الشعبي والحوثيين، ومع رصْدٍ لطبيعة ومستوى التمثيل الإيراني الذي يأتي وسط استمرار تعليق بيروت الرحلات من وإلى طهران منذ التهديد الإسرائيلي بقصف مطار رفيق الحريري الدولي بحال حطّت فيه رحلة كانت مقررة الخميس الماضي ويُشتبه، كما ادعت تل أبيب، أنها تحمل أموالاً لحزب الله تُستخدم لإعادة تسليحه.
وفي الوقت الذي استوجب هذا التعليق تكثيف الرحلات عبر بغداد، وسط ترقب حركة كثيفة اليوم وغداً في المطار، الذي شهد أمس إشكالاً بعد حادثة تردّد أنها بفعل منع سيّدة من رفْع صورة نصر الله بالتوازي مع روايةٍ عن أن الإشكال سبقه قيام لبنانيين عائدين من إيران عبر العراق بوضع علم الولايات المتحدة في أرضية المطار للدوس عليه، برزت أمس مطالبةُ وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني لبنان باعتقال مجموعة من قادة الحوثيين، يعتزمون المشاركة في تشييع نصر الله، وتسليمهم لحكومة بلاده.
وقال الإرياني عبر منصة «إكس»: «نطالب الحكومة اللبنانية بضبط قيادات «ميليشيا الحوثي الإرهابية» المتورطة في جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، والمصنفة في عدد من الدول بينها أميركا، جماعة إرهابية، فوراً وتسليمهم للحكومة اليمنية».
وإذ لم يذكر أسماء القادة الحوثيين المعنيين قال «إن مغادرة مجموعة من قيادات ميليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران، صنعاء، متوجهة إلى بيروت، لحضور جنازة نصر الله، وتقديم فروض الولاء والطاعة لإيران، يؤكد مجدداً أن ولاءها يتجاوز حدود اليمن، واستمرارها في تعزيز ارتباطها بالمشروع الإيراني في المنطقة، بينما يرزح الشعب اليمني تحت وطأة الحرب والجوع والفقر والمرض، جراء سياساتها التدميرية».
وأكد أن «تحرّكات القيادات الحوثية ليست مجرد مشاركة في مراسم التشييع، وإنما تأتي في سياق إعادة ترتيب صفوف المحور الإيراني بعد الضربات التي تعرض لها»، معتبراً أن «هذه التحركات مرتبطة مباشرة بموجة الهجمات الإرهابية على السفن التجارية وناقلات النفط، ما يشكل تهديداً للاستقرار في لبنان والمنطقة والعالم».