اخبار الصحف اليوم







النهار

يحاول "حزب الله" ونوابه بعد غياب قادته الكبار والتاريخيين واضطرار الأمين العام الحالي له الشيخ نعيم قاسم إلى ممارسة مهماته من طهران بأمان وبعيداً من محاولات الاغتيال الإسرائيلية، يحاولون أن يُظهروا لـ"شعبهم الشيعي" أولاً ثم لسائر شعوب لبنان أن الحزب خسر معركةً مهمة جداً لكنه لم يخسر حرباً. وهو سيستمر في الدفاع عنه وعن مصالحهم داخل بلادهم في ضوء ما يراه من اندفاع داخلي وعربي وأجنبي لاستعادة البلاد منه (أي الحزب) بعد سيطرته عليه مباشرةً منذ رحيل قوات سوريا الأسد منه بقرار دولي بعد جريمة قتل رفيق الحريري عام 2005. وانتهز فرصة اتخاذ رئيس لجمهورية لبنان بعد فراغ كرسيها منذ 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2022 التي ما كانت لتلوح لولا حرب إسرائيل الأخيرة الناجحة على لبنان وعلى حرب إسناد غزة التي شنّها الحزب منذ 8 أكتوبر 2023، وإنزالها خسائر فادحة بقواته خلال سنة كاملة، وبـ"الجنوب الشيعي" كما بضاحية بيروت الجنوبية وعدد من قرى البقاع وبلداته والمدن. طبعاً ليست الحرب العسكرية من خيارات الحزب على هذا الصعيد، ذلك أنه خسر سوريا بشار الأسد في أعقاب ثورة شعبية عليها بدا واضحاً دور تركيا فيها وروسيا وحتى الولايات المتحدة الأميركية. وهي بعسكرها وأجهزتها الأمنية كانت سنداً له وممراً لإرسال إيران الأسلحة إليه. وخسر إيران أيضاً قائدة المحور الإسلامي "الشيعي" في العالم المناهض لإسرائيل وأميركا في المنطقة بعد اضطرارها إلى سحب قواتها من سوريا، ويكاد يخسر العراق ذا الغالبية الشيعية والذي نجحت إيران الإسلامية ومن زمان في وضع يدها على سياسته وأجهزته الأمنية والعسكرية واقتصاده كما على الميليشيات التي أنشأتها فيه. لذا كان خيار "حزب الله" نفض غبار الخسارة العسكرية وخسارة قادته الكبار والانطلاق من "جسمه النيابي" كما من شعبيته وكوادره الحزبية وقدرته العسكرية التي لم تنجح إسرائيل في القضاء عليها تماماً رغم الخسائر الفادحة التي ألحقتها بها، والانطلاق من خلال النظام اللبناني للإثبات أنه لا يزال جزءاً مهماً من القرار في استحقاقاته الكبرى. وهو، أي الحزب، قادر عند تجاهله على العودة إلى ممارسات قديمة أظهر فيها سيطرته على القرار اللبناني المتنوّع. وكان رئيس مجلس النواب وزعيم حركة "أمل" الشيعية مساعداً للحزب جرّاء تحالفهما المُزمن، ولأن خسارة الحزب لا بد أن تنعكس خسارة لهم وللطائفة الشيعية كلاً. 
أخضع "حزب الله" وبري قائد الجيش العماد جوزف عون بعد شبه إجماع لبناني على انتخابه رئيساً للدولة اللبنانية لإمتحان أول، إذ لم يعطياه الضوء الأخضر إلا بعد اجتماع طويل جداً في الليلة التي سبقت يوم الانتخابات، وربما خرجا منه بوعد أو بشبه وعد بانتخابه بعدما أثارا أمامه كل المخاوف والمطالب وربما كل الشروط. لكن الحزب وبري لم يكتفيا بذلك ربما لأنهما لم يسمعا من عون ما أرادا سماعه، بل قرّرا ربما من دون إخبار الكثيرين إخضاع عون والنواب غير الشيعة من سنّة ومسيحيين ودروز إلى امتحان يُظهر قوتهما وقدرتهما على منع وصوله إلى الرئاسة إذا قرّرا ذلك. كانت المسرحية إجراء جلسة انتخاب أولى ثم تأجيل الثانية ساعتين توجه خلالهما النائبان محمد رعد وعلي حسن خليل إلى وزارة الدفاع في اليرزة وتحادثا مع المرشح القائد عون وعادا إلى الجلسة الثانية، وانتخب نواب الحزب والحركة عون. 
أوحى ذلك طبعاً أنهما لا يزالان المقرّرين الأساسيين في إنهاء الفراغ الرئاسي. وتساءل اللبنانيون يومها إذا كان "حزبا الشيعة" حقّقا شعار أن لا رئيس من دونهما وأن الرئيس سيأخذ في الاعتبار مخاوفهما ومطالبهما وسياساتهما ودورهما الذي طغى على البلاد و"شعوبها" الأخرى وأحزابها وأدوارهم. طبعاً عادت الهواجس إلى الحزب والحركة ساعة ألقى الرئيس المنتخب جوزف عون خطابه الأول نظراً إلى ما تضمنه من مواقف حريصة على الدولة وإستقلالها وحريتها وحقوق اللبنانيين كلهم فيها، وإلى تجاهله مقولة "الجيش والشعب والمقاومة". علماً أن الإثنين اعتمدا عليها ليُقنعا، وإن بالقوة، اللبنانيين غير الشيعة والعالم العربي والعالم بأنهما يُمثلان العرب والمسلمين في مقاومتهما إسرائيل، وفي حماية نظام الأسد مدة 12 سنة، وفي التحوّل "العصا" الأولى والأكثر قوةً في يد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمثال الذي سار عليه العراقيون والحوثيون في اليمن. يبدو أن بري والحزب توجعا من عون الرئيس وبدأا الاستعداد لمواجهته. كان اختيار رئيس أول حكومة في عهد عون، وهو الاختبار الثاني، مؤثراً سلباً على العلاقة بينه وبين الثنائي الشيعي. فالرئيس بري والحزب كانا يريدان عودة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى رئاسة الحكومة الأولى في العهد الجديد. لكنهما أُصيبا بصدمة جرّاء إخفاقه في حصد أكثرية أصوات النواب ولا سيما منهم الذين كانوا على علاقة جيدة بالإثنين أو بأحدهما. ففاز القاضي نواب سلام بالتكليف لرئاسة الحكومة الأولى وأُثار ذلك غضبهما. يبدو أنهما لن يناما على ضيم. لكن أحداً لا يعرف علامَ سيقدمان. فهل تخلّى الرئيس نبيه بري الذي احتفظ دائماً بمسافة مع "حزب الله" رغم تحالفهما، وقام بأدوار مهمة تفيده ولا تؤذي لبنان، عن موقعه هذا الذي نال رضى اللبنانيين والعرب والأجانب؟ وهل الدافع إلى ذلك شعوره أن الوضع الشيعي في لبنان قد يتأثر سلباً جرّاء تكاتف السنة والمسيحيين والدروز على قائده الفعلي "حزب الله" وعليه هو؟ أم أنه شعر بأن عودة لبنان إلى ما قبل العصر الشيعي - الإيراني الذي سيطر عليه قد يُنهي دوره أو ربما الحاجة إليه، الأمر الذي يعيد أجواء الفتنة إلى لبنان؟

هذه أسئلة لا أجوبة عنها. لكنها تثير القلق على الداخل اللبناني، إذ إن إسرائيل لم تُكمل انسحابها بعد من لبنان، وسوريا لم تعد في جيب إيران الإسلامية ودرّة تاجها "حزب الله"، وإيران هذه أُخرجت من لبنان وسوريا، وقد تُخرج من العراق أو يتم إضعاف دورها فيه، فضلاً عن أن الحوثيين لم يُترك لهم مجد محاربة إسرائيل وحدهم، وهم على بعد آلاف الأميال منها. ومعلوم، وهذا أمرٌ لا يعرفه كثيرون، أن المحامي نبيه بري في مطلع ممارسته المهنة أو مهلة التدريب فيها عمل في مكتب محامٍ مسيحي مهم من قضاء جبيل، معروف بعلمانيته، عمل مع محام آخر على صوغ قانون مدني للزواج في لبنان. سبحان مغيّر الأحوال