النهار
عندما يحين موعد وقف النار في غزة، الذي يُحكى أنه اكتسب زخماً بعد وقف النار في لبنان، لن يكون على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاختيار بين الرئيس الأميركي جو بايدن ووزيريه المتطرّفين إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وإنما سيواجه عملية أعقد وهي المفاضلة بين الوزيرين المذكورين والرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب.
على مدى 14 شهراً، تمكن نتنياهو من التلاعب مع بايدن واختار الحفاظ على تماسك ائتلافه الحكومي وبقائه في السلطة، على إبرام اتفاق لوقف النار في غزة وإنجاز صفقة لتبادل الأسرى مع حركة "حماس". وكلما كان يُحكى عن الاقتراب من اتفاق لوقف النار، كان بن غفير وسموتريتش يهدّدان بفرط الإئتلاف الحكومي، ما يعني إسقاط نتنياهو وتعرّضه للمساءلة عن الإخفاق في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
تقبّل بايدن مراوغة نتنياهو باتهام "حماس" بإفشال الجهود الرامية إلى التوصل إلى وقف النار. الأمر المختلف اليوم، هو دخول ترامب على الخط ومطالبته باتفاق يؤمّن إطلاق ما تبقّى من أسرى لدى "حماس" في غزة وبينهم من يحمل الجنسية الأميركية.
وكما وقف ترامب في خلفية المشهد بينما كانت إدارة بايدن تفاوض للتوصل إلى وقف للنار في لبنان، يدعم ترامب أيضاً المساعي التي تبذلها الإدارة الأميركية حالياً لإبرام اتفاق لوقف النار في غزة.
وإذا كان في إمكان نتنياهو في الماضي، تجاهل الضغط الأميركي وتحركات أقارب الأسرى الإسرائيليين وأصوات المعارضة وحتى المؤسسة العسكرية المطالبة بوقف النار والذهاب إلى صفقة التبادل، فإنه يقف اليوم أمام ترامب، الذي يُنظر إليه في إسرائيل على نطاق واسع إنه مؤيّد قوي للدولة العبرية.
ومع بث أجواء التفاؤل الحذر في واشنطن حيال نجاح الجهود الأميركية هذه المرّة، بسبب العديد من الظروف الإقليمية وبينها موافقة "حزب الله" على وقف النار في لبنان، وانشغال إيران الآن بالتطورات المتسارعة في سوريا عقب الهجوم الواسع لفصائل المعارضة السورية وسيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي التي كانت تحت سيطرة الحكومة السورية، فإن "حماس" قد تكون أكثر تقبّلاً لاتفاق التبادل.
وسط هذه الأجواء، سارع بن غفير إلى التهديد بالاستقالة من الحكومة في حال وافق نتنياهو على وقف للنار في غزة. ولذلك، يتعيّن على نتنياهو أخذ القرار هذه المرّة قبل أن يتسلّم ترامب مهامه. فهل يجازف بانهيار الائتلاف، أم يجد صيغة لتسويق وقف النار، على أنه لا يعني نهاية للحرب على غرار ما فعل مع لبنان، والتأكيد أن إسرائيل تحتفظ بقرار معاودة العمليات العسكرية في غزة إذا ما ارتأت ذلك؟
وإذا انحاز نتنياهو إلى بن غفير، سيكون عليه أيضاً تلبية طلبات الأخير لجهة استئناف الاستيطان في غزة بما يعني احتلالاً دائماً للقطاع وتهجيراً قسرياً لجزء كبير من سكانه. وبن غفير يعرض الهجرة الطوعية. لكن تطبيق "خطة الجنرالات" منذ أكثر من شهرين في شمال القطاع توحي بأن الحكومة الإسرائيلية تمارس كل الأساليب التي تقود إلى الهجرة القسرية، من منع دخول المواد الغذائية وتدمير القطاع الصحي وتجريف المربعات السكنية. وحمل هذا رئيس الأركان الإسرائيلي السابق موشيه يعالون إلى وصف ما يجري في شمال غزة بأنه جرائم حرب فعلية. بينما حال الأنحاء الأخرى من القطاع ليست أفضل مع وقوف إسرائيل موقف المتفرج، على عصابات مسلحة وهي تسرق قوافل الإغاثة التي تسمح إسرائيل بدخولها. والمدير العام لوكالة "الأونروا" فيليب لازاريني، أكد هذا قائلاً إن "الجوع ينتشر بسرعة" في القطاع.
ومع أن إسرائيل تنفي تقارير الوكالات الأممية عن الوضع الإنساني الكارثي في غزة، فإن موافقة نتنياهو على وقف النار قد لا تعني تغيير الكثير في سياسة جعل الحياة مستحيلة على السكان.