النهار
عرف الجيش العربي السوري خلال معظم حقبة الأسد – الأب والإبن - أسوأ مراحله منذ نشأته. فبعد بداية مهمة توجت في إنجازات حرب عام 1973 وشملت تحرير مدينة القنيطرة، إلا أنه ومنذ التوصل إلى اتفاق الهدنة عام 1974، لم تطلق رصاصة واحدة في الجولان بهدف تحريره من الاحتلال الإسرائيلي. وبعد محاولات تحديث للجيش في أواخر السبعينات ومطلع الثمانينيات شهدت دخول أسلحة جديدة من الاتحاد السوفياتي مثل مقاتلات الميغ-25 والميغ-27 والسوخوي-24، وصواريخ سام-6 وغيرها من عائلة سام المضادة للطائرات واستلام دبابات تي-72، فشل النظام في استخدامها بفعالية ضد إسرائيل، رغم الخطابات الرنانة والتهديد والوعيد بالتحرير وقيادته لمحور المواجهة.
آخر مواجهة للجيش السوري ضد إسرائيل كانت عام 1982 على الأراضي اللبنانية. يومها شهدت الحرب ثلاثة أحداث أثرت في قرار القيادة لسنوات لاحقة. أول حدث تمثل بهزيمة كبيره لسلاح الجو والدفاع الجوي السوري، فبعد أن نشرت سوريا أحدث ما لديها من صواريخ سام في البقاع مع منظومة إنذار مبكر مرتبطة بقواعدها داخل سوريا، تمكن سلاح الجو الإسرائيلي، وبفضل منظومة الحرب الالكترونية المتطورة، من التشويش على الرادارات ومن ثم تدميرها مع منصات إطلاق صواريخ سام. فور حدوث ذلك أرسل سلاح الجو السوري أفضل ما لديه من المقاتلات للتصدي للطائرات الإسرائيلية والتي حينها كانت أدخلت إلى الخدمة مقاتلات أف-15، وشهدت سماء لبنان أكبر معركة جوية بين الطرفين انتهت بخسارة سلاح الجو السوري 72 مقاتلة في يوم واحد، كان هذا الحدث الثاني. تلا ذلك الثالث وهو المواجهة البرية بين دبابات التي-72 السورية ودبابات الميركافا الإسرائيلية. ساهم الدعم الجوي القريب بتفوق الإسرائيليين في هذه المواجهة وتكبيد الجيش السوري خسائر كبيرة.
قام الجيش السوري بعد عام 1982 بعمليات تحديث اعتمدت غالباً على مساعدات من الاتحاد السوفياتي مستفيداً من مناخ الحرب الباردة، فعوضته موسكو عما خسره من طائرات حربية وصواريخ سام وحصل على مقاتلات طراز ميغ-29. لكن القيادة السورية توقفت عن الدخول في أي مواجهات مباشرة مع إسرائيل من أي مكان – في سوريا أو في لبنان – واعتمدت الحرب بالوكالة انطلاقاً من الأراضي اللبنانية مستخدمة فصائل يسارية و"حزب الله". أما ترسانة الجيش السوري فقد استخدمت بشراسة بقمع انتفاضة شعبية في حماة. ويحكي البعض أن تسخير مقومات الجيش – بخاصة الاستخبارية – كانت لقمع الشعب وحماية النظام منذ وصول الأسد الأب إلى السلطة. ولكنها تعاظمت منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي وباتت الشغل الشاغل للمؤسسة العسكرية.
شارك الجيش السوري في التحالف الدولي بقيادة أميركا في تحرير الكويت عام 1991، ولكن ذلك كان ضمن عملية حسابية لحافظ الأسد كسب منها أموالاً ودعماً أميركياً للاستمرار في احتلال لبنان.
شارك الجيش السوري في معارك عدة في لبنان ضد الأطراف المحلية كافة – من قوى اليمين واليسار. كما شارك في معارك شرسة ضد الجيش اللبناني، وقامت طائراته بقصف القصر الجمهوري – طبعاً بعد الحصول على ضوء أخضر أميركي - إسرائيلي. كما شارك الجيش السوري في دك مخيمات الفلسطينيين في لبنان في أكثر من مناسبة.
تباطأت عمليات تحديث الجيش السوري بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتحول تركيز القيادة على تطوير صناعة الصواريخ الباليستية أسوة بالحليف الإيراني، فقام الجيش ببناء مصانع محلية ساعدت في إنتاج ترسانة كبيرة من صواريخ سكود-بي وسكود-سي وسكود-دي التي وصل مدى آخرها إلى حوالى ٧٠٠ كلم. أيضاً، انتجت المصانع صواريخ الكاتيوشا والغراد بأعيرة مختلفة. كما طور الجيش السوري برنامجاً للأسلحة الكيميائية بحجة استخدامه كتوازن ردع مقابل ترسانة إسرائيل النووية.
لكن الصواريخ الباليستية السورية والأسلحة الكيميائية استخدمت فقط في قصف مواقع الفصائل المعارضة والمدن السورية ومنها العاصمة، وخلفت مئات القتلى المدنيين السوريين. وفي غضون ذلك شهد الجيش السوري انشقاقات عدة خلال الثورة السورية بين 2011 و2016، وساهم الضباط والأفراد المنشقون بتشكيل فصائل معارضة. وساهمت في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي أفقدت النظام القدرة على السيطرة على المعلومات وفيديوات قمع المتظاهرين. وهذا أثر سلباً على نسيج المؤسسة العسكرية ووحدتها.
وبعد تدخل "حزب الله" والمليشيات الإيرانية في الصراع داخل سوريا إلى جانب النظام ووصول الدعم الروسي، استعاد الجيش زمام المبادرة بعد أن كان وصل إلى مشارف الهزيمة. لكن دخول قوى أجنبية على الساحة ومشاركتها الجيش السوري حصرية حمل السلاح، وفقدان الدولة السيطرة على أجزاء من أراضيها لمصلحة لاعبين آخرين مثل الولايات المتحدة وتركيا وإيران وروسيا، أثرا كثيراً على معنويات الجيش وهيبته وبات يتكل كلياً على وجود قوات حليفة لحماية البلد والنظام، وتوقف عن تحديث قدراته العسكرية.
سخّر نظام الأسد المؤسسة العسكرية في أعمال فساد أخرى بهدف توسيع ثروته، فاستخدم بعض القواعد العسكرية لإنتاج الكبتاغون وتنسيق عمليات تهريبه عبر الحدود. ولم يعط اهتماماً لتداعيات الوضع الاقتصادي وتفاقم التضخم وانهيار الليرة على الجيش، وأعطى حرية للضباط لفرض خوات والعمل في التهريب من أجل تحصيل الأموال، فكان الفساد والإحباط ينخران المؤسسة العسكرية ويضربان معنويات الجنود والضباط. وعندما شنت فصائل المعارضة هجومها الكبير نحو حلب ظهرت نتائج ترهل المؤسسة العسكرية بسبب سياسات النظام، فتفاجأ الحليفان الروسي والإيراني بسرعة انهيار القوات السورية نتيجة فرار آلاف الجنود والضباط. ومع غياب مقاتلي "حزب الله" والفصائل الإيرانية عن جبهات الشمال نتيجة الحرب مع إسرائيل، تمكنت فصائل المعارضة من التقدم بسرعة صاعقة والوصول إلى العاصمة وإسقاط النظام. وكان آخر قرار لبشار الأسد قبل فراره إلى موسكو هو حلّ المؤسسة العسكرية التي استغلها ووالده لحماية النظام وتنفيذ مآربه. وقامت إسرائيل لاحقاً بتدمير ترسانته المترهلة. وينتظر السوريون اليوم ولادة مؤسسة عسكرية جديدة تكون هذه المرة أكثر حداثة وائتماناً على أمن الشعب وسيادة الدولة