توجهت الأنظار نحو الملف الرئاسي بعدما وضعت الحرب أوزارها وأصبح اتفاق وقف إطلاق النار خلف الجميع، على الرغم من الاعتداءات والخروقات الإسرائيلية للاتفاق والتسريبات من هنا وهناك حول مستقبل هدنة الـ 60 يوما.
وبدأ الجيش اللبناني اتخاذ الإجراءات المطلوبة على الأرض وفقا لمقتضيات الاتفاق وآلياته استنادا إلى القرار 1701، كما تم تجاوز حالات الفوضى التي رافقت الساعات الأولى لسريان وقف النار، وما تخللها من خروقات إسرائيلية واعتداءات احتج عليها لبنان. ويمكن الوصول إلى ضبط أكبر للوضع مع اكتمال وصول أعضاء لجنة المراقبة، وخصوصا ممثل فرنسا في اللجنة الخماسية، بعدما سبقه رئيس اللجنة الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز.
ومن خلال اجتماعات اللجنة وتنظيم عملية التواصل وتحديد أسس التعاطي مع أي خروقات، يمكن عندها ان تنتظم الأمور، وتتوسع حركة انتشار الجيش مع تراجع القوات الإسرائيلية وصولا إلى خط الهدنة للعام 1949، وانتشار الجيش على كامل الأراضي اللبنانية في موازاة إلغاء كل ما يمت إلى الوجود المسلح لغير القوى الشرعية والرسمية.
ومن الواضح انه وعلى الرغم من كل التصريحات التي تصدر عن قيادات في «حزب الله»، والتي أحيانا تكون مرتفعة النبرة، فإنها تحمل في مضامينها حقيقة واحدة وهي ان الدولة هي الأساس وان الأمن منوط بالجيش، والخيار السياسي ضمن إطار منظومة عامة في البلد وفقا للدستور.
وفيما الوضع الجنوبي أصبح في عهدة الجيش ولجنة المراقبة، فإن الاهتمام ينصب على الاستحقاق الرئاسي، الذي يتقدم في هذه المرحلة على ما عداه.
وقال مصدر ديبلوماسي لـ «الأنباء»: «يضغط الاتحاد الأوروبي في اتجاه إنجاز الملف الرئاسي في هذه المرحلة بالتحديد. ومن الضروري الاستفادة من الفرصة السانحة التي قد لا تتكرر لإعادة بناء الدولة، ولا يجوز إهدارها بعدم إنجاز الملف الرئاسي أو تأجيله، لأن ذلك يعني ان البلاد ستدخل من جديد في حالة من الاسترخاء السياسي يعيدها إلى ما كانت عليه من انقسام وربما أسوأ».
وأضاف المصدر: «من الضروري التوافق على رئيس أيا يكن المرشح، لأنه سيكون قويا بقوة الإجماع والدستور، وبانتصار الشرعية له وليس بانتصار فريق على آخر، حتى لا تتكرر تجربة العام 1982 التي أحدثت شرخا أدى إلى انفجار دفعت خلاله البلاد أثمانا غالية وموجة عنف دموية استمرت حتى إقرار اتفاق الطائف العام 1989، والذي طوى صفحة الحرب الأهلية إلى غير رجعة وان لم يطبق في كل بنوده».
ورفضت مصادر نيابية الدخول في لعبة الأسماء وتحدثت إلى «الأنباء» عن «فترة زمنية كافية لخلق إطار من التفاهم ينتج رئيسا توافقيا».
وأضافت: «لو كان التوافق حاصلا أو كانت إمكانية التوافق متوافرة اليوم لحددت جلسة الانتخاب خلال أسبوع. وتحديد الجلسة في 9 يناير 2025 من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يكن بقرار منفرد، بل جاء من خلال التواصل مع عدد من الأطراف المحلية والمهتمين من القوى الدولية والاتحاد الأوروبي».
في المقابل، ذكر مسؤول سياسي كبير لـ «الأنباء» ان الرئيس نبيه بري أبلغ السفيرة الأميركية ليزا جونسون التي فاتحته بموضوع تمديد الخدمة العسكرية لقائد الجيش العماد جوزف عون سنة إضافية ثانية بالقول بالإنجليزية: «ديل». وأشار إلى ان بري تابع الكلام قائلا ان الأمر انتهى عند هذا الحد، بالتمديد لعون للقيام بما تقتضيه المرحلة من مهمات ينفذها الجيش اللبناني في الجنوب بعد اتفاق وقف إطلاق النار الأخير.
وأصر بري، بحسب المسؤول السياسي الكبير، أمام زائرته على فصل التمديد لقائد الجيش عن الملف الرئاسي.
وتابع المسؤول: «عمليا الرئيس نبيه بري هو الملتقط الأول للإشارات الجدية الدولية. والمسائل الرئيسية تبحث معه، لما له من خبرة متراكمة، ووضوح في التعاطي لجهة القبول أو الرفض، معتمدا مرونة لا يتخلى فيها عن الحسم. وقد كرر موقفه مرات عدة لجهة رفض دعم قائد الجيش لمنصب رئيس الجمهورية. وهو تشدد أمام سفير دولة عربية زاره أخيرا لاستطلاع موقفه من ترشيح العماد عون، بالرفض القاطع مع تعليل الأسباب. وقال للسفير العربي: اذا كنتم فعلا تريدون المساعدة في انتخاب رئيس للجمهورية، أعطونا اسما آخر، وهذا الموقف سبق ان أعلنه أمام عدد من نواب فاتحوه في هذا الشأن».
واعتبر المسؤول السياسي الرفيع «ان السباق الرئاسي حاليا محصور بين سفير سابق ووزير سابق، في مقابل ترشيح أميركي يقتصر على قائد الجيش».
ودعا وزير سابق إلى «تبيان الفيتو من التيار الوطني الحر على قائد الجيش، وتفادي حزب الله خسارة المزيد من حلفاء الداخل، وخصوصا التيار الوطني الحر».
وتوقع الوزير السابق «عدم قبول الحزب برئيس جمهورية غير موافق عليه ومشارك في اختياره، وهو بطبيعة الحال رئيس غير معاد للمقاومة». وذكر «ان إيجابية الحزب تجاه التمديد لقائد الجيش بالخدمة العسكرية، تختلف في شكل جذري عن الموقف من العماد عون في الملف الرئاسي».