“هو عزيز عليَّ جدا، وكان بمثابة الأخ والصديق الذي لا أنساه”، بهذه الكلمات، بدأ الأسير اللبناني السابق في سجون إسرائيل نبيه عواضة، حديثه عن يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي قتلته إسرائيل، الخميس 17 أكتوبر، بعملية استهدفت منزلا في رفح بقطاع غزة.
عواضة كان من بين الذين مكثوا بجانب السنوار داخل سجن عسقلان، في منطقة المجدل لمدة 5 سنوات بين عامي 1990 و1996، وهناك تقاسَمَا الكثير من الأوقات والحكايات، كما أنهما اجتمعا على الطعام وتبادلا الأفكار، وكان لبنان محور حديثهما بشكل دائم.
ما يذكره عواضة عن السنوار ليس كل شيء، لكنه يقول لـ”بلينكس” إن الحياة التي عاشها الأخير داخل السجن الإسرائيلي، كشفت عن شخصية فولاذية لا تتكرّر، فيما المواقف التي جمعت السنوار مع الأسرى والسجّان الإسرائيلي تعدّ نوعيةً في خصوصيتها.
فماذا يكشف عواضة عن علاقته بالسنوار؟ وماذا يقول عن تفاصيل جمعته بصديقه داخل السجن؟ كيف كان ينظر السنوار إلى لبنان؟ وما الأسرار التي تحدَّث عنها عواضة بشأن زعيم “حماس” الذي قضى وهو يرتدي جعبة عسكرية خلال القتال؟
لبنان علامة فارقة عند السنوار
عواضة، الذي يُطلق عليه اسم “نيرودا”، اعتُقِل في سبتمبر عام 1988، وخرج من السجون الإسرائيلية عام 1998 بعملية تبادل للأسرى، حصلت بين لبنان وإسرائيل.
حينما يتحدَّث عواضة عن السنوار، يعود إلى سنواتٍ شهدت الكثير مِن المحطات الفاصلة بالنسبة إليهما.
خلال فترة السجن التي جمعتهما في تسعينيات القرن الماضي، كان جنوب لبنان يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي، الذي انتهى عام 2000. لهذا، وخلال تلك الحقبة، شهد السنوار وعواضة على الكثير من التفاصيل التي ارتبطت بما كان يشهده لبنان من حروب وعمليات ضد إسرائيل.
يكشف عواضة عبر “بلينكس” أنّ زعيم حماس كان يعد لبنان “علامة فارقة في مقاومة إسرائيل”، ويضيف “كان مهتمّا جدا بلبنان، وكان يحب أن يتعرّف على بيروت عن كثب، عبر الأسرى اللبنانيين الذين التقاهم”.
وفق عواضة، فإن السنوار كان يسعى باستمرار لمعرفة أخبار العمليات التي تُنفَّذ في جنوب لبنان حينما كان مُحتلا، بينما كان يتعمّق كثيرا بطبيعة العمليات التي نُفِّذت في بيروت ضد الجيش الإسرائيلي، ويركِّز جدا على العمليات التي كانت تُنفِّذها القوى الوطنية اللبنانية في جنوب لبنان.
ركَّز السنوار، حسب عواضة، على مراحل التحرير التي مرّ بها لبنان، وأبرزها عام 1985، حينما خرجت إسرائيل من مدينة صيدا آنذاك، بعد احتلال استمرّ 985 يوما.
أمام ذلك، كان ينظر السنوار إلى ما شهده لبنان من عمليات على أنه “أمر أسطوري”، خصوصا أنّ القتال هناك جمع مختلف الأطراف على هدف واحد، وهو مواجهة إسرائيل التي تبنّاها السنوار منذ صغره، كما يقول عواضة.
سجين بأسرار كثيرة
لا يُخفي عواضة إعجابه بشخصيَّة السنوار، فهو تعلَّم منها الكثير داخل السجن، كاشفا أن لدى زعيم “حماس” أسرارا كثيرة تكتنف شخصيّته، أبرزها أنه كان يتمتَّع بـ”حس أمني” كبير.
وفق عواضة، فإن السنوار حاول التعمق كثيرا بما يفكِّر به الإسرائيليون، مشيرا إلى أنه كان يحاول دائما مواكبة كل ما يدور داخل فلسطين، ويحلّل ما يجري هناك، ليبني عليه موقفا ورؤية مستقبلية في إطار لافت وبارز.
وسط كل ذلك، يقول عواضة إن السنوار كان شخصا اجتماعيا جدا، فهو كان يتفاعل مع جميع الأسرى ويتبادل معهم الآراء، كما أنه كان يسعى دائما لإظهار مدى أهميّة الدفاع عن القضية الفلسطينية، حتى وإن كان الأسير ماكثا داخل السجن.
يقول عواضة إن السنوار كان يرفض التسويات مع إسرائيل، كما أنه كان ناقما جدا على اتفاقية أوسلو التي وقَّعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع تل أبيب عام 1993، ويضيف “كان السنوار يؤمن بأن المقاومة هي التي تُحرّر الأرض، كما أنه كان يستشهد بما شهدته بيروت حينما تمكّنت من إخراج إسرائيل منها، بعد احتلال دام لأيام عام 1982”.
اشتباك داخل السجن
مِن الأسرار التي كشفها عواضة عن السنوار أنّه كان يُخبر مَن معه عن طفولته الفقيرة جدا، إذ ذاق الجوع والحرمان، ويضيف “لقد تحدَّث مطولا عن حياة القهر التي عاشها، وتحديدا في مخيّم خان يونس، لكنه مع ذلك، فإنه كان مسرورا بأمر أساسي، وهو وجوده على أرض المجدل، حيث معتقل عسقلان جعله يؤكّد لنفسه أنه عاد إلى أرضه التي هُجِّر منها”.
الجانب الإنساني الذي كان يتمتع به السنوار كبير جدا، كما يكشف عواضة، ويُردف “داخل السجن، كان مصمما باستمرار على الدفاع عن حقوق الأسرى، كما أنه كان يجمع في شخصيته تركيبة سياسية واجتماعية وإنسانية، استغلها حتى أبعد الحدود في تحصيل حقوق الأسرى، مهما كلف الأمر”.
مع هذا، يقول عواضة إن السنوار كان من أبرز الأسرى الذين دخلوا في مواجهة مع الإسرائيليين داخل السجن، ويضيف “كان عنيدا جدا وصلبا.. علاقته ندية جدا مع الضباط والجنود الإسرائيليين، حتى إن هيبته فرضت نفسها عليهم، ولم يكن يهاب شيئا”.
يلفت عواضة إلى أن السنوار وحينما كان يتعلَّم اللغة العبرية، أبلغ مَن معه أن هدفه من ذلك هو معرفة ما يفكِّر به الإسرائيليون، كما أنه كان يعتبر نفسه يخوض اشتباكا مباشرا ضدهم داخل السجن الذي كان يمثّل بالنسبة إليه الخندق الأول للمواجهة.
حادثة خاصّة لا يعرفها أحد
في حديثه، يكشف عواضة عن موقف لافت جمعه بالسنوار داخل السجن، ويضيف “في إحدى المرات، حاول الشيخ صلاح شحادة، مؤسس الجهاز العسكري الأول لحركة حماس، الذي كان أسيرا، أن يقنعني بأن ألتزم بتأدية الفرائض الدينية، علما بأنني كنت من خلفية علمانية ليبرالية ويسارية”.
ويتابع “الجهد الذي قام به شحادة كان عن محبَّة لي، ويحيى السنوار، حاوَل بشكل مباشر أن أسير بما يقوله لي الشيخ شحادة، خصوصا أنني كنت أصغر أسير لبناني”.
وأكمل “خلال السجن، كان لي ذقن، وقيل لي إنها يجب أن تكون متدينة، بدلا من أن تكون شيوعية. رغم ذلك، لم يستطع الشيخ شحادة إقناعي، كما أن محاولات السنوار لم تنجح أيضا ليقول لي في النهاية: ليس هناك أي أمل منك.. ابقَ كما أنت، وأنا سأظل على حالي، وسنبقى أصدقاء إلى الأبد”.