“عام الطوفان”: ماذا حققت جبهات “الإسناد”؟


 | علاء حسن |

منذ أكثر من أسبوعين أُلملم أفكاري تحضيراً لذكرى السابع من تشرين الأول/أكتوبر، من دون إدراك مني لما سوف يحصل من انقلاب في الصراع القائم مع العدو الصهيوني. ومنذ ذاك وأنا منشغل ـ كالبقية ـ بالأحداث اليومية التي تحصل على مساحة لبنان.


لكن، مع اقتراب ذكرى عملية طوفان الأقصى، كان لا بد من قراءة شاملة للعام المنصرم، وما أنجزته “جبهات الإسناد” المختلفة من إشغال وإرهاق للكيان الصهيوني، والنتائج التي انبثقت عن هذا “الإسناد”.


من دون شك أن آلاف العمليات التي نُفذت خلال العام المنصرم، من جبهة شمال فلسطين ـ جنوب لبنان إلى جبهة الجولان إلى القواعد الأميركية وصولاً إلى حيفا وإيلات مروراً بعمليات الجبهة اليمنية في البحر الأحمر، لا يمكن أن تكون بلا جدوى، ولا يعقل أن لا تكون قد تركت آثاراً مادية ومعنوية على الكيان، الأمر الذي أخر تنفيذ باقي خططه عاماً كاملاً.


بدايةً، بدأ الإسناد من الجبهة اللبنانية التي انطلقت في عملياتها بعد يوم واحد من عملية “طوفان الأقصى”، وتبعتها باقي الجبهات واحدة تلو الأخرى، ضمن سقف إيذائي استخباري معين، حيث استغلت المقاومة في لبنان الفرصة لضرب المواقع الاستخبارية الاسرائيلية القابعة على الحافة الأمامية للجبهة المقابلة، والتي كان البعض منها يستطيع التنصت والرؤية حتى مسافات طويلة قيل أنها تصل إلى الصحراء الفاصلة بين العراق وسوريا، وليس لبنان فحسب.


أما الجبهة العراقية، فقد استغلت الفرصة بدورها لتوجيه الضربات المتكررة للقواعد الأميركية في العراق وسوريا، على أساس أن وجودها احتلال، وأن الولايات المتحدة هي الداعم الرئيسي للكيان في حربه على غزة ويجب أن يدفع معه ثمن هذا الحرب، وفي مرحلة لاحقة تحول الاستهداف إلى استهداف الكيان داخل الأراضي الفلسطينية بشكل مباشر.


ثم انطلقت الجبهة اليمنية، البعيدة جغرافياً عن فلسطين المحتلة، لتعمل على تعديل الميزان من خلال معادلة حصار مقابل حصار، وذلك عبر إغلاقها الممر البحري الذي يوصل السفن التجارية وغير التجارية إلى سواحل الكيان.


أولى وأهم النتائج التي انبثقت عن عمليات جبهات الإسناد، كانت تحميل قادة الكيان عبء التعامل مع عدة جبهات بدل التفرغ بشكل كامل لجبهة الجنوب، وإن كانت هناك انتقادات ترد على هذه النقطة لكون جبهات الإسناد لم تستطع إيقاف حرب الإبادة في غزة أو التخفيف من حدتها، إلا أن قراءة متعددة الجوانب للقضية، ستوضح أن المسألة لم تكن تتعلق في يوم من الأيام بوقف العدوان على غزة، لكون عمليات الإسناد، كما هو واضح من إسمها، لم تبدأ ليتوقف العدوان بالمفهوم العسكري. أي أن مستوى عمليات الإسناد عسكرياً لم يكن في يوم من الأيام يوازي حجم القوة المستخدمة للعدوان على غزة ليكون رادعاً للكيان يمنعه من الاستمرار أو التصعيد.


ثاني الأهداف المحققة من جبهات الإسناد، هو الضغط الاقتصادي على الكيان، والضغط الاقتصادي لا ينحصر بالسيولة لدى الدولة والتي يتم تأمينها من خلال المساعدات الأميركية، بل بالعجلة الاقتصادية للشركات والمصانع والعقود الحالية والآجلة مع الشركات الأجنبية والقدرة على الإيفاء بالالتزامات، وهذه كلها تعرضت لخضات كبيرة اعترف العدو بعدم قدرته على ترميمها في القريب العاجل.


الهدف الثالث المحقق من خلال جبهات الإسناد هو تهجير عدد كبير من مستوطني شمال فلسطين وتوقف السياحة والصناعة في تلك المنطقة، الأمر الذي أضاف على الأعباء الملقاة على قيادة الكيان عبئاً اجتماعياً وخدمياً كبيراً.


الهدف الرابع تمثل في عرقلة العام الدراسي في مناطق شاسعة من الكيان، الأمر الذي شكل خللاً في البنية التعليمية، والذي سيترك آثاراً على المستقبل المهني داخل الكيان.


الهدف الخامس كان اعتبار الكيان بلداً غير آمن لسكانه وللأجانب، والذي زاد في عزلة الكيان ومنع مشروع الانفتاح الذي وصل إلى أوجه إبان حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والمشاريع الكبيرة التي انطلقت حينها مثل مشروع “ابراهام” ومشروع التطبيع العربي الشامل.


الهدف السادس هو الهجرة العكسية، فالكيان الصهيوني قائم على هجرة اليهود من شتى أصقاع الأرض، ويعلم قادة الكيان أن توقف الهجرة إلى الكيان سيؤسس لنهاية الكيان، فكيف إذا كان هناك هجرة عكسية بمئات الآلاف ومستمرة حتى يومنا هذا؟


الهدف السابع هو إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة القضايا العالمية بعد طمسها عقوداً من الزمن وتهميشها لدرجة التصفير، في حين أنها من خلال الجهد المبذول من داخل غزة ومن جبهات الاسناد عادت لتصبح قضية مركزية عالمية، تؤسس لمرحلة أخرى من التضامن العالمي وإدانة الصهيونية رغم ما تمتلكه هذه الأخيرة من أدوات لقمع هذا التوجه.


بطبيعة الحال لم تتحقق هذه الأهداف دفعة واحدة، بل مرت بمراحل من التصعيد الأفقي والعامودي حتى وصلت إلى نقطة تحسس معها الكيان رقبته وأصبح أمام إشكالية بقائه من عدمه، الأمر الذي جعله ينتفض على الواقع ويذهب باتجاه توسعة الحرب ليبدأ بالجبهة اللبنانية.