ينطلق الفاتيكان في مقاربته للملف اللبناني من التهجير القسري للمسيحيين في العراق وسورية في خلال الخمس عشرة سنة الماضية حيث ساهمت المجموعات الاصولية من داعش وأخواتها بتهجير قرى ومدن مسيحية في البلدين وتركت فراغا كبيرا على مستوى الشرق الاوسط بعد أن شارك المسيحيون بإعماره على المستويات كافة. وتأتي التطورات الميدانية في غزة والجنوب معطوفة على أزمة حكم في الداخل اللبناني لتشكل هاجسا اضافيا أمام الكرسي الفاتيكاني وقلقا دائما من ما يحمله المستقبل من تسويات على حساب الاقليات وعلى رأسها المسيحية التي تعاني من أزمة سياسية كبيرة نتيجة عوامل داخلية وخارجية جعلتها الحلقة الاضعف على مستوى المنطقة.
يحيط الفاتيكان حراكه تجاه لبنان ببعض التكتم خصوصا وأن الوضع على الصعيد المسيحي لم يعد يحتمل المزيد من التسويف، ويسعى مع القوى الغربية وتحديدا الاوروبية الى ايجاد حل لأزمة الرئاسة يكون جامعا للاطراف الوطنية اللبنانية، اذ يعتقد الكرسي الرسولي أن المواجهة الدينية والطائفية داخل المجتمع اللبناني ستأتي بالضرر على المسيحيين بالدرجة الاولى كونهم الحلقة الاضعف، في حين يبرز التقارب السني الشيعي في أكثر من محور وهو ما ينعكس سلبا على المسيحيين في حال قرر هؤلاء التموضع خارج معسكر التوافق الداخلي والاقليمي. من هنا نصح الفاتيكان رأس الكنيسة المارونية بضرورة التقاط اشارات التقاطع الدولية والعمل على تحضير الاجواء مع الشركاء الآخرين في سبيل انضاج تسوية جيدة على الصعيد الرئاسي تجمع مختلف الطوائف عليها، وهو في الاساس ما كان يطمح اليه الفاتيكان والدول الغربية عندما تم الاعلان عن دولة لبنان الكبير.
ويُصر الفاتيكان على ضرورة فتح حوار مع الثنائي الشيعي اللاعب الابرز في هذه المرحلة، تجنبا لأي صدام قد يأخذ المسيحيين الى خيارات معقدة يدفع ثمنها ما تبقى منهم على هذه الارض. من هنا كان الايعاز بمحاورة المراجع الروحية الشيعية التي أبدت رفضها للمواقف الاخيرة التي صدرت عن البطريرك بشارة بطرس الراعي وقاطعت لقاء أمين سر الفاتيكان في الصرح البطريركي. ويضغط الكرسي الرسولي على المراجع الكنسية لتفادي أي تصريح يخرج عن نطاقه الروحي ويدخل في المحور السياسي، وتعتبره خارجا عن القانون الكنسي الواجب اتباعه لاسيما في هذه المرحلة. وبحسب ما تؤكد مصادر كنسية عبر "ليبانون فايلز" فإن امين سر الفاتيكان يشرف شخصيا على الملف اللبناني في شقه السياسي ويتواصل بعيدا من الاعلام مع مراجع روحية ويلتقي بموفدين لبنانيين في الفاتيكان للتشاور معهم على مستقبل الكنيسة المارونية في ضوء التطورت المرتقبة، مع الاخذ بعين الاعتبار جملة المتغيرات الطارئة خصوصا داخل التركيبة اللبنانية.
واذ تنفي المصادر الكنسية الحديث عن استقالة مرتقبة للبطريرك الراعي بطلب فاتيكاني، تشير في الوقت عينه الى أن المرحلة المقبلة ستشهد تغيرا في الشق السياسي الكنسي لناحية تجنيب التصويب على بعض الاطراف من بوابة الاستحقاقات الدستورية والطلب من الرعايا في المناطق المختلطة اعتماد الخطاب المعتدل والذي يضع الوحدة الوطنية فوق كل اعتبار.