كتب عماد مرمل في الجمهورية
شكّل تسليم الجبهة الشعبية – القيادة العامة بعض الاراضي في الناعمة وحارتها إلى الجيش اللبناني تطوراً لافتاً، في اعتبار أنّ «ملف الناعمة» يمثّل مادة تجاذب لبناني داخلي، ولبناني – فلسطيني، وذلك في إطار الخلاف حول طريقة التعامل مع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات.. فأي أبعاد لهذا التطور، وما الرواية الكاملة لما جرى؟
من المعروف انّ «ملف الناعمة» ظلّ عالقاً ومجمّداً منذ سنوات طويلة، على الرغم من محاولة طاولة الحوار الوطني عام 2006 تسويته.
من هنا، فإنّ إخلاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة جانباً من الأراضي التي كانت تحت سيطرتها العملانية في هذا التوقيت بالتحديد، بدا مفاجئاً للبعض، كونه ترافق مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة والمواجهات بين «حزب الله» وجيش الاحتلال على الجبهة اللبنانية، ما يؤشر إلى أنّ «القيادة العامة» باتت على اقتناع بأنّه لم تعد هناك أي جدوى لتمدّدها في مساحات واسعة تقع ضمن نطاق الناعمة وحارة الناعمة، علماً انّها لا تزال تستحوذ على عدد من المواقع والأنفاق في المنطقة.
وكشفت مصادر أمنية واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية»، انّه منذ أكثر من سنتين بدأ العمل على هذا الملف بتوجيه من قيادة الجيش – مديرية المخابرات، عندما اشتكى مواطنون في الناعمة وحارة الناعمة لدى المديرية من عدم قدرتهم على استثمار او استصلاح أراضيهم في المنطقة بسبب خضوعها لسيطرة الجبهة الشعبية – القيادة العامة منذ عقود.
وتجدر الإشارة الى انّ تلك الاراضي تقع في جوار سلسلة من الأنفاق العسكرية التي تملكها «القيادة العامة»، وبالتالي كان يتعذّر على مالكيها الاستفادة منها، كما يوجد عدد من المعامل داخل البقعة نفسها، ما يستدعي تسهيل حركة عمالها وزبائنها وتأمين الدخول اليها والخروج منها بحرّية، الأمر الذي فرض البحث في السبل الآيلة لحل المشكلة المتمادية.
وتوضح المصادر، انّه وعلى أثر المناشدة، بادر مدير المخابرات العميد طوني قهوجي إلى التحرّك والتواصل مع المعنيين، وبعيداً من الأضواء، لمعالجة هذا الملف، لافتةً إلى أنّه جرى نحو 30 إجتماعاً بين ضباط من مديرية المخابرات والمسؤول العسكري والأمني في الجبهة الشعبية – القيادة العامة في لبنان «ابو راتب»، للبحث في مستلزمات إنهاء ملف الاراضي، على قاعدة تحقيق مطلب أصحابها باستعادتها، خصوصاً انّه جرى التوافق على الّا حاجة أمنية لبقائها.
وتشير المصادر الأمنية الى انّ «ابو راتب» كان متجاوباً مع مسعى المخابرات، وأبدى كل المرونة المطلوبة لتسهيل المعالجة، موضحة انّه تمّ في نهاية المطاف الاتفاق على أن تبادر «القيادة العامة» إلى إخلاء الاراضي المحدّدة التي لا تنطوي على اي ضرورة أمنية بالنسبة إليها ولا تؤثر على الأنفاق التي يحتاج إيجاد حل لهاـ إلى استكمال الخطوات لاحقاً.
وتؤكّد المصادر، أنّ «القيادة العامة» التزمت من خلال «ديل أخلاقي» بإعادة الحقوق الى أصحابها على مرحلتين، لافتة إلى أنّ الجبهة بدأت أخيراً تطبيق المرحلة الأولى، حيث أخلت جزءاً من الاراضي المتفق على تسليمها، فيما من المقرّر ان تترك في مرحلة ثانية الجزء المتبقي.
وتلفت المصادر الامنية، الى انّ رئيس فرع جبل لبنان في مديرية المخابرات أجرى في ايار 2023 كشفاً على الاراضي، ثم عقد إجتماعات متلاحقة مع «ابو راتب» تمّ بموجبها التفاهم على أن تخلي «القيادة العامة» مساحة جغرافية بحدود 196 الف متر مربع وفق آلية مدروسة.
وتوضح المصادر انّ فرق الهندسة في الجيش أجرت كشفاً على العقارات المتفق على استعادتها، وبدأت إحدى منظمات إزالة الألغام بالتعاون مع المكتب الوطني لنزع الألغام تنظيف البقعة من الألغام والمخلّفات الخطرة، قبل تسليمها الى مالكيها، مشيرة الى انّه تمّ حتى الآن تنظيف نحو 16 الف متر مربع، والعمل مستمر على هذا الصعيد بغية تنظيف كامل الاراضي من الألغام وأي مخلفات تشكّل خطراً على السلامة العامة.
وتلفت المصادر الامنية الى أنّ الاتفاق الحالي، بمرحلته الاولى لا يشمل المراكز العسكرية والأنفاق التي تعود إلى «القيادة العامة» في الناعمة، وبالتالي فإنّ عناصرها لا يزالون متواجدين في تلك الأماكن، انما ليس هناك ما يمنع استكمال البحث في مصيرها في مراحل لاحقة، خصوصاً انّ «القيادة العامة» تبدي ايجابية في نمط تعاطيها مع الجيش.
وتعتبر المصادر انّ عملية الإخلاء التي تمّت حتى الآن هي نموذج أولي يعكس بادرة حسن نية من قبل «القيادة العامة»، آملة في أن يتمّ تطوير هذا النموذج والبناء عليه مستقبلاً.