كتبت النهار
لا تقدم دول كثيرة في العالم الثالث وحتى في عالم الدول الكبيرة المتطورة المالكة قدرات جبارة في الأمن الاجتماعي وحماية الناس من طوارئ الأحداث طبيعية كانت ام غير طبيعية المهددة لحياتهم ، نماذج حاسمة في الحمايات والضمانات ولو ان الدول تقاس فعلا بهذه المعايير قبل معايير القوة الاقتصادية والعسكرية والتقنية وما اليها. ومع ذلك ثمة ما يستدعي اللبنانيين مرارا وتكرارا للشعور"بوحشة عالمية"، كأنهم وحدهم في برية موحشة او جزيرة متروكة نائية عن العالم في كل مرة تضربهم مصيبة او حدث او كارثة من النوع الذي تهتز له او لها المشاعر الفردية والعامة .
يحدث في كل ثانية ان يحترق مطعم او تغرق مناطق ومدن وتشهد اي من انحاء العالم كوارث واحداث ، لكن ما لا يحدث تكرارا ومرارا "وعلى طرق النفس" ان تمضي أعمار الناس في تلك الأنحاء وتأتي أجيال بعد أجيال ولا يتبدل حرف خشبي قاتل في معادلات غياب الدولة الضامنة الحامية القادرة على الاقتصاص من التقصير القاتل او القصور القاتل او الإهمال والفساد القاتلين ، والأنكى عدم القيام باي شيء اطلاقا لتجنيب الناس مرارا وتكرارا الاستعادات الكارثية ذاتها بل وباسوآ وجوهها تباعا .
آخرها واشدها فداحة وقسوة وصدما للشعور الإنساني والفردي والجماعي ، ان يحترق تسعة لبنانيين معظمهم من الشباب في غرة الأعمار في حجرة الموت تلك في مطعم منكوب بحريق الأشبه بأفلام الرعب والتي لا يخطر ببال ان تكون نهايات مفجعة مثلها بحيث هرب الضحايا الى الحجرة القاتلة ولاقوا المصير الحارق المفحم ولا ندري حتى الساعة لا السبب ولا الأسباب ولا ندري أين وكيف ومتى ستتحدد المسؤوليات عن التقصير وحتى لو كانت فردية فيستحيل إلا تحصل كارثة من هذا الطراز المفجع ولا تكون للدولة في مكان ما تبعة الرقابة الحاسمة الاستباقية على أماكن خدمات عامة تتعامل "مع الأرواح" !
في اللحظة نفسها راحت تتنافس الأنباء "العاجلة" المشؤومة وتتنقل بين الشاشات والمواقع حيال "سقوط" عاصمة كسروان الواقعة عند خليج جميل طالما تغنى به "الأقدمون" قبل ان تغدو جونيه فريسة اجتياحات مائية متعاقبة حولتها ضحية دائمة لاجتياحات السيول والاجتياحات الأسوأ المتمثلة بتشابك مستدام بين المسؤوليات التي توزع التبعات وتضيعها منذ عقود بين الوزارات والإدارات والبلدية فيحصل ان يكون كل اجتياح مائي كارثي في هذه المدينة مؤشرا لاجتياح يليه ولم تتبدل "معادلات" صدئة في تعامل الدولة والإدارات والوزارات والبلدية من شأنها ان تنقذ المدينة والناس من مصير محتوم ابدّي .
ليست جونية سوى عينة نافرة دائمة لان "الإبحار" نحو البقاع وضهر البيدر والبقاع الغربي مثلا يغدو اشبه برحلة في المجاهل الأفريقية القديمة او المغامرات في مجاهل الأمازون ، ولا نتجرأ للخوض ابعد في عكار ولن نتوغل الى ظواهر الكسارات والمرامل ولا حتما سنتجرأ على مقاربة أم الكوارث في تلويث نهر الليطاني والتسبب بآفات تصرخ لها أرواح الوف الضحايا بامراض سرطانية على امتداد بلدات وقرى مجرى الليطاني…
يقتل اللبنانيون في مقاتل جوالة مختلفة يوميا ، خلافا ل"موت " طبيعي ، لان لبنان المنهار صار موبئة عمومية منزوعة من الدولة والخدمات والتطور والمحاسبة والمراقبة ولأن الإنسان اللبناني صار في اسفل سلم أولويات ما يسمى سلطات عامة . هذه "الدولة" القاصرة عن تقديم أي ضمان لناسها ولا حماية اجتماعية بحدود دنيا ، يراد لنا ان نصدق انها ستعيد لبنان الى الحياة وهي دولة قاتلة عمدا . ابتسم انت في لبنان !