أبرز ما تناولته الصحف اليوم
كتبت النهار
لم يعد جائزًا لنا الإفراط في المغالاة والتحدّث كلما قاربنا أحوال ما يُسمّى الدولة اللبنانية عن انذهالنا واندهاشنا وما شاكل من انفعالات وإن كانت أقل المتوقع في بلد يستحيل التوصيف الموضوعي لأوضاعه بأقل من الكوارث. مع ذلك أتاحت لنا محطة مرور الـ200 يوم على حرب غزة كما على حرب الجنوب (لم يعد ممكناً توصيفها بأقل من حرب) المزيد من الانذهال لاكتشافنا أن المسمّاة سلطة حكومية وإدارية وما الى ذلك بوزاراتها وأجهزتها وهيئاتها قد تكون آخر من يعلم، بل هي تتعمّد أن تكون الزوج المخدوع، بالإحصاءات الدقيقة الشاملة لكل أوجه الخسائر والأضرار وحصيلة موجات الغارات والقصف الإسرائيلية المتواصلة على مساحة الجنوب الأمامية كلها بما يشمل ما يفوق الأربعين بلدة ومدينة وقرية تكاد معالمها تغدو صورة طبق الأصل عن غزة التي أنست العالم دمار ستالينغراد أمام الوحشية القياسية التي سجّلتها الدولة العبرية في حرب الإبادة عليها.
لا بل من أجل الدقة الموضوعية، تبيّن أن وزارة الصحة اللبنانية وحدها "تشغل" عداد كشف الضحايا والشهداء والجرحى يومياً فتبيّن الحصيلة المعلنة، فيما يكاد يستحيل العثور على إحصاءات رسمية دقيقة وموثوقة لميزان الخسائر في المنازل والممتلكات والبنى التحتية والخسائر الاقتصادية الناجمة برمّتها عن سبعة أشهر هي أطول الحروب العربية الإسرائيلية إطلاقاً. وحتى الإحصاء الدقيق لكارثة نزوح ما يقدَّر بمئة ألف وأكثر من أبناء المناطق الجنوبية التي ابتُليت بحرب لم تُستشر فيها كما لم يُستشر أيّ لبناني آخر على مساحة الجمهورية الفاقدة دولتها كما رئيسها، غاب ويغيب ويبقى غائباً حتى إشعار آخر.
هذا الجانب المظلم من طمس الحقائق العارية، علمياً وواقعياً كما هي، ليس تفصيلاً عابراً ولا يمكن السكوت عنه في مقاربة الواقع الرسمي والميداني والاقتصادي والكارثي بكل المعايير مهما تكن الاعتبارات والدوافع والأسباب التي تجعل السلطة المهيمن عليها من الفريق "الممانع" وعموده الفقري "حزب الله" تنصاع لطمس وحرف الأنظار عن الحصيلة الكارثية لحرب "إسناد غزة" أو لحرب "توحيد الساحات". والحال أن هذا الجانب من إخفاء الحقائق ليس ابن ساعته في بنية "السلطة العميقة" ولا نقول الدولة العميقة هنا لأن كل مواصفات الدول التقليدية الثابتة اضمحلّت واندثرت في لبنان بما حقق ويحقق الأثرة والاستئثار للفريق "الممانع" في الهيمنة وجرّ البلاد الى مزيد من صحارى الظلامية على غرار تمديدهم البارحة للبلديات وزيادة الفراغات.
إن إخفاء وتغييب الإحصاءات الرسمية في حصيلة الأشهر الحربية السبعة حتى الآن لا يختلف إطلاقاً، في عمق طبيعته والانصياع لإرادة فريق مستقوٍ على السلطة، عن إخفاء حقائق جنائية في ملفات الاغتيالات التي علاها الغبار، وملفات تفجير مرفأ بيروت والالتفاف المخيف المتعمّد على التحقيق العدلي وشلّه، وسواها من مآثر السلطة الممانعة التي يصعب حصرها وتعدادها في هذه العجالة.
هي مقاربة لنمط سلطوي فظيع لا يرى في كشف الحقائق التي يتحمّل تبعاتها مباشرة أو مداورة ومهما تكن طبيعتها إلا "مؤامرات" عدوّة على أيدي شركائه في الوطن ولذا لا تكون وجهة نظر هذا النمط في التعامل مع أي خلاف مع الآخر إلا بتخوينه. أما في الجانب المتصل بالدولة فيكفي هذا الفريق أن يحصي نجاحاته في الفراغات والتغييب والتسيّب ليجعل ذروة انتصاراته التمديد لهيمنته في زمن حرب أو زمن سلم لم يعد ثمة تمييز بينهما بفعل أياديه البيضاء…