كتبت النهار:
قد يكون من الصعوبة في ظروف انسداد سياسي فرضها تحالف قوى انقلابي الهوى والمراس والعقيدة والمفاهيم والممارسة مضافاً إليها واقع ارتباطاته الإقليمية الخارجية التي تجعله في كل المعايير أداة استباحة دستورية داخلياً وأمنية – سيادية خارجياً... قد يكون صعباً جداً مناهضة أي تحرك داخلي تحت شعار التقارب والتشاور والتحاور الى ما هنالك من أوصاف إيجابية. تبعاً لذلك لم يكن من الغريب والمفاجئ أن تستجيب قوى سياسية وكتل نيابية معارضة ونواب مستقلون مع التحرك الناشئ لـ"كتلة الاعتدال الوطني" الهادف في نهاية المطاف الى توفير الغالبية الدستورية المطلوبة لانعقاد جلسة مفتوحة لمجلس النواب "يؤمل" أن تفضي الى إنهاء الحقبة الأشد صعوبة من حقبات الفراغ الرئاسي الذي صار "تقليداً" انقلابياً لدى التحالف الانقلابي "الممانع" يسترهن عبره لبنان لإخضاعه لمآرب أسياده الإقليميين.
مع ذلك فإن ما أسفرت عنه "مبادرة" هذه الكتلة التي ترفع الاعتدال شعاراً لتحالف نوابها وما توحي به خلاصات التحرك وما خلفه وأمامه وحوله، تستدعي على الأقل الإفصاح عن جملة انطباعات لا بد منها على المستويين المبدئي والعملي أقله لجهة التبصّر في ما إن كان مسارٌ يوصف بالتشاور كافياً لكسر الحصار الانقلابي الآخذ بالاشتداد حول المسار الدستوري الديموقراطي، أم أن الجاري في هذه "المبادرة" لن يكون أكثر من ملهاة سواء كانت مقصودة أو عفوية، والله أعلم بالنوايا والمقاصد… نقول ذلك لأن اللبنانيين تعبوا من وضعهم على سكك تجارب السذاجة أو أخذهم بأوهام ملء الأوقات الضائعة فيما الفريق الذي ينفّذ أجندات الفراغ وتجويف الدستور وضرب المؤسسات والإجهاز على الديموقراطية اللبنانية داخلياً وخوض الحروب الخارجية "غب الطلب" كرمى لعيون "وحدة الساحات" غير آبه بكل اللبنانيين بلا تفرقة وتمييز حتى في بيئته ولا يرى إليهم سوى من زاوية الاستقواء عليهم بميزان قوى مسلح جائر.
لقد أتاكم جواب هذا الفريق وهذا التحالف من اللحظة الأولى التي أشيع فيها أن رئيس البرلمان اللبناني، قد منح "الاعتداليين" بركته في التحرّك نحو المبادرة ومن ثم كرّت سبحة "اللطافة" في الاستجابة النظرية من دون أن نعرف ما إن كان الاعتداليون أنفسهم، كما لمّح صراحة رئيس الكتائب سامي الجميّل، يعرفون ماهية وآلية ذاك التشاور الموعود طريقاً الى الجلسة الانتخابية المفتوحة الموعودة والواعدة. لا نسوق ذلك من باب التشكيك الاستباقي أو الالتحاقي أو ما بينهما بمقاصد قد تكون سليمة وإيجابية "على ذمة حامله"، ولكن كم من النيات الحسنة أدّت الى خدمة مآرب كتلك التي يسترهن فيها التحالف الانقلابي لبنان منذ استأسد على القرار والسياسة والسلطة والمؤسسات؟ ولذلك لا نستغربنّ إطلاقاً أن يواكب تحرك "كتلة الاعتدال" رفع آيات التمسّك بترشيح مرشح الممانعة والمقاومة من كل مكوّنات الموالين لـ"الثنائي الشيعي" علماً بأن من غير المفترض أن تكون مبادرة هادفة الى إعادة شق طريق الجلسات الانتخابية ساحة مبارزة استباقية بالمرشحين قبل انعقاد المسماة "جلسة تشاور" لم يجدوا بعد الآلية الممكنة للدعوة إليها وهل سيكون لها رئيس وأي إجراءات تفصيلية ستواكبها وكيف ستفضي إلى اقتناع "كبير الزعماء" الرئيس بري بالدعوة الى جلسة انتخابية مفتوحة…
إنها مسألة لا تتصل أولاً وأخيراً وبكل المعايير "باعتدال" أو "بتطرف". ليس في مواجهة الانقلابيين سوى وصفة واحدة وحيدة هي الانحياز المطلق الصارخ للدستور صراحة وعلناً وبلا أي شورى ووصف الانقلابيين بأوصافهم… واسمحوا لنا بترف هذا "الاعتدال".