أبرز ما تناولته الصحف اليوم
كتبت النهار
من عاصفة الموازنة الى عاصفة الضرائب والرسوم الى عاصفة التعاميم "المركزية"، الى ما ندري ولا ندري مما سيتوالى عصفاً في قابل الأيام والسنة الجارية على وقْع شتات سلطة مبعثرة بين حكومة بالكاد تفي الشكل الدستوري الهالك ومجلس نيابيّ لفظ كل مشروعيته في وقت قياسي ومصرف مركزي "شبحي" مُلحق يتظاهر بأنه يرمّم وراثة حاكمه السابق فيما لا نرى أيّ فوارق جوهرية … تلك هي الصورة المفحّمة لا القاتمة فقط، فماذا بعد؟
لن تتيح المخادعة الكبيرة التي تتيحها الحرب الجارية في جنوب لبنان وعلى حدوده مع إسرائيل، لمسؤولي هذا البلد وساسته التهرب المتواصل من تداعيات انفجار يعتمل بتدرّج سريع في الجوانب المالية والاقتصادية والاجتماعية ولو ان هؤلاء يتظللون تحت ظلال الشلل السياسي الذي لا شفاء منه الى زمن مفتوح على سنة أخرى من الفراغ، أو الانفجار الحربي الحاصل في الجنوب والذي يضع لبنان برمّته تحت رحمة "غزة أولاً". ولعلّ أسبوعين فقط "أمضاهما" اللبنانيون في ظل "نعمة" الأجواء الهزلية التي تعاقبت منذ جلسات مناقشة الموازنة وإقرارها ومن ثم "التفرج" وترقّب إصدار تعميم مجيد جديد لمصرف لبنان حيال فتات الودائع المطمورة في غياهب أكبر منهبة مصرفية ومالية في التاريخ ، شكَّلا واقعياً "فحص الدم" الأحدث لبقايا السلطات التي تقيم على إدارة البلد المنهار انهياراً خيالياً غير متصوَّر.
قد يكون أفدح الانكشافات ان لا يملك أي مسؤول الجواب عما اذا كانت إدارة الازمات المالية والمصرفية على النحو العشوائي المتفلت من كل استراتيجيات واضحة وعلميّة ومتجردة، أقل خطورة وفداحة من عجز وإفلاس وتبعية واستسلام السلطة اللبنانية لـ"حزب الله" استسلاماً تاماً في "إدارته" ملف الحرب والسلم مع إسرائيل، وتالياً إدارة المفاوضات حتماً مع القوى الكبرى حين يقرر مع مصدر قوته إيران أوان التسوية. تتساقط على اللبنانيين بقايا قرارات وإجراءات وتعاميم فيما لم يعد أحد يسمع باستراتيجيات إنقاذ أو خطط إصلاح، فكيف يُلام بطريرك الموارنة إنْ فجّر خلاصاته بالقول إنهم يتعمدون إطالة الفراغ لأهداف فاسدة في المقام الأول؟
والحال ان التجربة اللبنانية منذ شرارة الانهيار الأولى قبل خمسة أعوام وحتى الساعة، بصرف النظر عما قبلها، صارت تكفي وحدها لإبرازها كنموذج صارخ يثبت ان أثر الفساد السلطوي المتغلغل سرطانياً في مفاصل الدولة والمجتمع هو أشد خطورة من الاحتلالات إياها بأضعاف مضاعفة. يرزح لبنان الآن تحت الأثر الأشد استعصاء على المعالجة وهو التشتت الكامل لبقايا السلطة حيث كلٌّ يغنّي موّاله ويبرز وجهنته ويتلاعب بالناس بلا رادع أو خشية من أيّ رقابة. الحكومة والمجلس والقضاء والسلطة المالية العليا ومن خلفهم مؤسسات الدولة قاطبة تكاد تتراقص بلا أيّ ناظم أو ضابط أو رقيب على نحو لم يحصل في زمن التقسيم والحرب. قد يجترح كثيرون مبررات وذرائع لبقايا هذه السلطات في المضيّ بلا هوادة في هذا الواقع المتشرذم الذي يدفع تكاليفه المدمرة الناس في يومياتهم ويمعن في تطبيع الدولة القبلية الفاسدة، ويرهن مصير القرارات الاستراتيجية سلماً وحرباً وتفاوضاً لحزب الممانعة المانع أيّ فريق من مقاسمته القرارات فكيف بالدولة المستسلمة له. ولكن الأمر لن يطول كثيراً لتبيّن أن الفوضى السلطوية في الداخل ستنافس بأخطارها "استراتيجية غزة أولاً" ولن يكون في الداخل كما في الجنوب سوى تسابقٍ جهنمي نحو "تعميم" مزيد من الخراب فيما نلهو جميعا بـ"تعاميم" تمعن في تحقير الناس تحت شعار الكحل أحلى من العمى!