أبرز ما تناولته الصحف اليوم
كتبت النهار
قد لا تكون الإسقاطات التاريخية ومقارناتها على امتداد حقبات ووقائع الاجتياحات الإسرائيلية للبنان جائزة "حرفياً" في مقاربة وقائع ما سُمي مواجهات المشاغلة التي أطلقها "حزب الله" غداة "طوفان الأقصى" في غزة بيوم واحد. فالاستدلال على "السلوكيات" القيادية الميدانية والعسكرية لكل من الحزب وإسرائيل منذ 8 تشرين الأول الماضي وحتى توغّل الطيران الحربي الإسرائيلي في ضرب سهل بعلبك وتوغّل الحزب في قصف الجولان، لا يزال يترك الإمساك بالعصا من منتصفها الخيار الأكثر ترجيحاً، أقله بمعادلة "نصف" حرب "نصف" مواجهات منذرة بالحرب، الى ان نعاين أثر الهدنة الجاري العمل باستشراس غربي إقليمي لإحلالها في غزة قبل حلول شهر رمضان.
ولكن، في المقابل، سيغدو من ضروب طمر الرؤوس في الرمال وارتكاب معصية قاتلة من معاصي سياسات الانكار تجاهل التجارب المدمرة التي سحقت لبنان مراراً عند "عشايا" الحروب والاجتياحات حتى لو تبدلت معادلات الردع وموازين القوى، اذ ان تبدلها وتطورها لم يبدل حرفاً في استباحة لبنان كساحة صراعات تفرض عليه أقدار الارتباط القسري بمحاور المنطقة وقضاياها وصراعات النفوذ فيها كما يجري تماما الآن. والحال ان هذه الحقيقة الراسخة تنطلق من واقع نشوء الظروف الحربية المزمن قبل كل حرب كبيرة أو اجتياح إسرائيلي واسع للبنان بما كان يهيىء المسرح للحروب والاجتياحات، الامر الذي يُخشى الآن ان تكون نسخته المطابقة قد مضت بعيداً في الاستنساخ.
كان "اتفاق القاهرة" الأشهر من ان يُعرَّف في تاريخ إرساء مداميك الاستباحة السيادية للبنان المسبب الأول والأخطر لعملية الليطاني عام 1978 التي توسلتها إسرائيل لاحتلال ما سُمي الشريط الحدودي، ولكن الامر سبقه تفاقم واسع بل واهتراء ميداني متدحرج في العمليات والغارات والقصف والاشتباكات تحوّل معه واقع الجنوب الى ساحة تختصر "الحرب الباردة" في العالم آنذاك والمواجهات الشرسة الساخنة ميدانياً الى حدود اندفاع إسرائيل الى غزو الجنوب.
منذ إنشاء الشريط الحدودي المحتل بعد عملية الليطاني، والذي حصل على وقْع انفجار الحرب البادئة لبنانية - فلسطينية في العام 1975 قبل ان تتطور وتتحول تباعاً في مراحلها اللاحقة، الى العام 1982، كانت بدأت مرحلة اهتراء مختلفة ولكن موصولة بإرث احتدام الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي خصوصا، والشيء بالشيء يُذكر، انه كان في إسرائيل طاقم سياسي - عسكري يميني شديد التطرف يجسده الثلاثي بيغن - شارون - شامير "معطوفاً" على إدارة جمهورية أميركية متشددة برئاسة رونالد ريغان. حصل أول اجتياح إسرائيلي لعاصمة عربية في العام 1982 على وقْع اهتراء معتمل في الحرب داخلياً وعلى الحدود مع ان إسرائيل اتخذت من محاولة اغتيال سفيرها في لندن الذريعة للاجتياح المقرر سلفاً.
بعد تبدل الظروف عقب انسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000 وحتى العام 2006، لم تعد مسببات الحروب تتصل باهتراء عسكري قتالي عند تخوم الحدود بل تحولت مع اللاعب المنفرد "حزب الله" في الجانب اللبناني الى حسابات إقليمية كانت مزارع شبعا فتيلها في حرب تموز 2006، ولكن أيضا على إيقاع "مشاغلة" أرادها الحزب آنذاك لتخفيف الحصار الناري الإسرائيلي على غزة التي كانت تتعرض لإحدى عواصف الجنون التدميري على أيدي الإسرائيليين. هذا الربط المحكم إياه لما صار يسمى راهناً "وحدة الساحات" أعاد واقع الاستنزاف الميداني والعسكري الى الجنوب منذراً بالاتساع، ولو ان ظروف الحرب في غزة وتمددها الى لبنان راهناً لا تعني "بعد" أن الحرب الكبرى واقعة غداً لا محالة