كتبت النهار
لم تخرج زيارة كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين إلى بيروت عن اطار التوقعات بإمكان حصولها اعتباراً من النصف الثاني من الشهر الجاري، وذلك لسببين أساسيين: اولهما يتصل بترقّبه لوصول السفيرة الاميركية الجديدة ليزا جونسون، التي يُنتظر ان تلتحق بمركز عملها في بيروت الأسبوع المقبل، والثاني والأهم، يتعلق بالرسائل التي يُفترض ان يحملها إلى اللبنانيين حيال مهمته الرامية في الأساس إلى استكمال المفاوضات في شأن ترسيم الحدود البرية، والتي ارتقت مع تصاعد وتيرة المواجهات جنوباً إلى اهداف جديدة تتمثل في سحب فتيل التفجير ومنع الانزلاق إلى حرب موسعة، وتطبيق القرار الدولي 1701.
وفي حين كانت التوقعات أن ينتقل هوكشتاين من تل ابيب التي زارها قبل يومين إلى بيروت، حاملاً الرسائل الاسرائيلية، ومستكملاً وساطته، انتهت الزيارة من حيث بدأت، وعاد الرجل أدراجه، من دون ان يعرّج على العاصمة اللبنانية، ما طرح جملة تساؤلات عن الاسباب التي دفعت الوسيط الأميركي إلى استبعاد بيروت من زيارته.
والجواب، بحسب مصادر سياسية مطلعة، يكمن في ضرورة عدم تضخيم الأمر وتظهيره في شكل سلبي، وكأن الزيارة كانت مقررة وألغيت، لأنه في الاساس لم يكن هناك موعد ثابت لها، بل كان رهناً بتقدم الاتصالات والمشاورات. كما انه لم يتم طلب أي موعد رسمي من أي مسؤول، علماً ان هوكشتاين بات يحصر زياراته في بيروت برئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون، فضلاً عن لقاءات جانبية يعقدها مع نواب وقيادات سياسية، تبعاً لأجندته أو الدعوات التي يتلقاها.
أما عدم تعريجه على بيروت، فترى فيه المصادر تعبيراً عن فشل زيارته إلى تل أبيب وعدم توصّله إلى إحراز أي تقدم هناك، في ظل تشبث الموقف الاسرائيلي حيال المطالبة بنزع سلاح "حزب الله" في الجنوب، وضمان منطقة عازلة لحماية أمن المستوطنات قبل أي كلام آخر.
ورغم الدعم الاميركي اللامحدود لاسرائيل في عملياتها في وجه "طوفان الأقصى"، إلا ان المصادر لا تخفي تلمّسها نقاط تباين أو تباعد واضحة ما بين السياستين الاميركية والاسرائيلية، ولا سيما في الملف اللبناني، حيث تتمسك واشنطن وتضغط في اتجاه منع توسيع رقعة الحرب. وهي نجحت لغاية اليوم في الضغط على الجانبين لضمان ذلك، إلا ان العملية الأخيرة لاسرائيل التي استهدفت فيها الضاحية الجنوبية، أثارت القلق من تنامي احتمالات خروج الوضع عن السيطرة، خصوصاً إذا ما انتقلت المواجهات إلى مستوى الاغتيالات والتصفيات الجسدية المركزة، والتي يهدد الحزب باعتمادها رداً على تصفية القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري.
وفي نظر المصادر، ان المشكلة تكمن في تل ابيب التي يعود اليها تحديد المسار الذي ستسلكه الحرب في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد إعلان الامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله عدم السكوت عن خرقٍ على هذا المستوى من الخطورة، ما يعني ان لبنان سيصبح مكشوفاً والكلمة ستكون للميدان.
وعليه، لن تكون لهوكشتاين زيارة إلى بيروت قبل ان تتجمع لديه المعطيات الكافية التي تسهم في نجاح تحركه. وللمفارقة ان هذه المعطيات لا يملكها لبنان الرسمي، ولا حتى الحزب، وإنْ كان قرار الحرب في يده، واللاقرار في يد الحكومة كما قال وزير الخارجية عبدالله بو حبيب من واشنطن.
أما مضمون المعطيات، فيتركز في الدرجة الاولى على التوصل إلى الآليات العملية لتنفيذ القرار 1701 والانتقال إلى المرحلة الثانية من استكمال التفاوض على الحدود البرية، انطلاقاً من تثبيت التفاهم على النقاط التي تم انجازها وهي 7 والعمل على النقاط المتبقية المختلف عليها وهي 6. لكن انطلاق هذا المسار لن يتم قبل التوصل إلى اتفاق على وقف نهائي لإطلاق النار. وهذا امر بات جلياً بالنسبة إلى الأميركيين، كما بالنسبة الى الاسرائيليين واللبنانيين على السواء، ما يعني ان أي زيارة للمبعوث الاميركي، ما لم يكن حاملاً مبادرة او وساطة او آليات حلّ لن تجدي في المرحلة الراهنة قبل ان تتوقف طبول الحرب.
هل هذا يعني فشل مهمة هوكشتاين؟ لا، تجيب المصادر، لأن المهمة لا تزال في بدايتها، والأصح ربما القول بأنها معلّقة او مجمدة حتى إشعار آخر، ولن يطول الوقت قبل ان يتبلور هذا الإشعار. فتحرك هوكشتاين ليس يتيماً او منفرداً بل يأتي ضمن نشاط كثيف وغير مسبوق للاميركيين في المنطقة، بحيث لا يكاد يغادر مسؤول حتى يغطّ آخر، ما يؤشر إلى حجم الانخراط الذي قررته ادارة بايدن بعد أعوام من التراجع. كما يؤشر إلى مشروع ما لم تتضح معالمه في شكل كامل بعد، ولكنه قيد الإعداد، ولن يكون لبنان بمعزل عنه.
يعود هوكشتاين إلى بلاده فيما وزير الخارجية أنطوني بلينكن يجول على نحو تسع دول في المنطقة، لا بد ان تتبلور نتائجها على الزيارة المقبلة للوسيط الرئاسي لبايدن