كتبت النهار:
عدّد السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير مجموعة خلاصات تتّصل بالمشهد العام الناشئ عن حرب غزة عند مشارف شهرها الرابع يصعب التنكر لكون بعضها وخصوصاً المتصل منها بأثر الصمود الفلسطيني على كسر السطوة الإسرائيلية يحظى بتوافق واسع لبنانياً. هذه النقطة قد تكون "نادرة" في معايير البحث عما يمكن أن يذهب إليه الوضع الداخلي في لبنان بعد توقف الحرب بكل "ساحاتها" التي كان السيد نصرالله يتحدث باسمها بلا أي شك. ذلك أن الخلاصات الأساسية في شأن الواقع اللبناني بعد الأشهر الثلاثة للحرب المحدودوة أو المضبوطة جنوباً لم ترد في خطاب السيد نصرالله إلّا عبوراً وبالتورية نظراً الى تجنّبه المتعمّد الخوض في رمال الواقع الانقسامي الداخلي ونأيه بمواقف حزبه ومحوره عن الداخل اللبناني راهناً لأنه سيتسبّب له بصداع حادّ.
ما يعني اللبنانيين في المقام الأول في ما لم يعلنه جهاراً السيد نصرالله وقاله ضمناً في كل تفصيل هو أن حزبه ومحوره أعادا ربط لبنان ربطاً محكماً غير قابل للفكاك أو تخفيف القبضة إطلاقاً للبنان بأسره، بكل "محتويات ومخزون" أزماته وواقعه وليس فقط من خلال حدودوه الجنوبية، بالحرب المتدحرجة في غزة من مرحلة الى أخرى، وعبرها – وهنا الأهم والأخطر والأشدّ فداحة – بمجريات الصراع الكبير للقضيّة الفلسطينية حرباً وسلماً وتسويات وما إليها. يظنّ لبنانيون كثر، ببراءة أو بتشوّق من يتوق للخلاص السريع من كوابيس لم يعد قادراً على تحمّل أثقالها وأكلافها وتداعياتها، أن التطورات الميدانية الجارية في الجنوب التي تكلف "حزب الله" نفسه التضحيات الضخمة بالشباب المقاتلين، هي مسألة يمكن أن يعود ما بعدها كما ما قبلها لجهة سريان معادلة الشرعيتين الدولية واللبنانية الرسمية في الجنوب على أساس القرار 1701. ولقد كان واضحاً السيد نصرالله بتمجيده للقوة كوسيلة وحيدة يفهمها العالم ويسلّم بشروطها أنه يكمل الوجه الآخر لسخريته المفرطة بالفئات اللبنانية من خصوم للحزب التي ما فتئت تتمسّك بالمجتمع الدولي والشرعية الدولية، كما لو أنه يقولها صراحة مثلما قالها أحد أركان حزبه سابقاً عن "إعلان بعبدا" "بلّوه واشربوا ميته". كان ذلك حين لم تكن إسرائيل معنيّة بالصراع على السلاح المتفلت، فكيف الآن ومجازر إسرائيل تمنع الكثيرين من المجاهرة العلنية بالسلاح المتفشّي لبنانياً وفلسطينياً عند الحدود وفي الداخل وعبر تشريع الاستهانة بتمزيق بقايا الشرعية اللبنانية الأمنية والعسكرية والسياسية على غرار ما يشهده الجنوب في تعدد المقاومات الممانعة وعدم حصرها أقلّه بـ"حزب الله"؟
هذا الواقع الجديد المتعاظم تباعاً والذي سيدفع به الجنون الإسرائيلي من الناحية المقابلة الى ذروة الخطورة ما دامت حكومة نتنياهو تستهين بالضرب في قلب الضاحية لتصيّد زعماء "حماس"، سيحوّل حتماً أيّ محاولة أميركية سيقوم بها آموس هوكشتاين لإعادة طرح تسوية الترسيم البرّي بين لبنان وإسرائيل الى أثر بعد عين لأن "حزب الله" والمحور الإيراني سيمسك بورقة إسقاط الشرعية الدولية في الجنوب من خناقها ولن يفلتها إطلاقا إلا في ظل الشروط الملائمة ليس لإيقاف "حرب المشاغلة" فقط بل في ظل شروط طارئة محدثة من وحي الخلاصات الإقليمية الكبيرة التي سترسو عليها المنطقة بعد حرب غزة. لقد أقحم لبنان عنوةً وقسراً في مواجهات المشاغلة وعليه أن يكون ممتنّاً لمنطق التمنين الذي يعزو ذلك الى "مصلحة لبنان" التي إن اقتضى الأمر فستعني أيضاً "حرباً بلا سقوف وبلا ضوابط"!