أبرز ما تناولته الصحف اليوم
كتبت النهار:
على غرار كل تطوّر سواء كان تطوّراً "مستحقاً" جدياً أو مبتذلاً باهتاً، تقوم الضجّة الإعلامية المضخمة حيال جلسات مناقشة الموازنة التي ما كانت لتستحق مروراً أكثر من هامشي في سجل يوميات اللبنانيين لولا أن "طلات" البرلمان الحالي باتت نادرة. وأما الموازنة في صلبها ومناخ وظروف إقرارها، فحدّث ولا حرج عن "الزير الذي ستنتشله من البير"، إذ يغدقون علينا التمنين ويتباهون بالطول والعرض، حكومةً ومجلساً نيابياً، بإحالة الموازنة هذه السنة في موعدها الدستوري فيما كل شيء فالت من عقاله الدستوري وأولها رئاسة الجمهورية اللبنانية، أعادها الله من تغييبها!
إنه رهان لن يكلف أي ليرة أو دولار، أن تسأل لبنانياً ماذا تعني لك "المؤسسات" منذ الانهيار التاريخي وبعده منذ فشل ثورة اللبنانيين على أعتى واقع فساد في العالم، وبعده منذ حلول الفراغ الرئاسي منذراً بتفكيك قاتل منهجي للدولة، وأي جواب ستسمع سوى أن اللبنانيين أيتام من الدولة والمؤسسات والمستقبل، وتالياً فإن مباهاة البرلمان والحكومة والقوى الداعمة والمكونة والدافعة للمضي في هذا النهج الذي يتأكل بقايا لبنان كلها تنخرط في واقع سقطت شرعيته سقوطاً مبرحاً وليس أقل من ذلك. تسمّر كثيرون أمام تضخيم التفاهة المتمثلة بسجالات هابطة تنضح بثقافة انحطاط في تبادل الشتائم المقذعة بين بعض النواب المنتمين الى عصر التسلط الفاسد وبعضهم الآخر المنتخب على قاعدة تغييرية. هذه السخافة وسواها من ظواهر برلمان لم تمر سنتان على انتخابه بمهرجان ضاج آنذاك باعتبار أنه سيحمل فجراً إنقاذياً للبنان، تراكم إثباتات لا تحتاج الى إثبات عن أن السلطات الرسمية اللبنانية الراهنة لا تجرجر ذيول فشلها فقط بل هي أمام حقيقة ستنفجر عاجلاً أو آجلاً تتصل بانعدام مشروعيتها وشرعيتها، ولو أن العالم الخارجي العاجز الذي استعصى عليه الضغط على المحور الإقليمي الذي يسترهن النظام اللبناني يستمر في التعامل الواقعي مع هذه السلطات بحكم الأمر الواقع.
بطبيعة الحال الفتاوى المدافعة عن شرعية السلطتين التنفيذية والتشريعية الحاليتين جاهزة وحاضرة ولا مردّ لها ما دامت القوى المعارضة اللبنانية لم ترفع مستوى اعتراضها ولم تطلق أيّ مؤشرات بعد الى استعدادها لإطلاق أي تحرّك فعّال ومؤذٍ من شأنه زلزلة هذا الواقع بدءاً بإسقاط شرعيته. لكن ما دامت جلسات المهزلة التي أقرت الموازنة ذكّرتنا بأن برلماناً فاشلاً عاجزاً متواطئاً بنصف كتله عن انتخاب رئيس الجمهورية ومسلساً القياد لسلطة فاقدة المشروعية والشرعية منذ سنة وثلاثة أشهر والحبل على الجرار، نتساءل بمَ وعدتم الناس وماذا أنجزتم لهم فعلاً في ذاك الإنجاز سوى مراكمة الإفلاس والإفقار واليأس من كل تغيير؟ لعل ما يجب الاعتراف به هو أن أحداً لم يكن يتوقع أي شيء يقدم تطوراً يُعتدّ به من النواب والوزراء والزعماء والكتل لأن الرهان على مجمل الطبقة السياسية والتمثيلية والتنفيذية ومعها أيضاً الجسم القضائي، سقط بقوة ساحقة وباتت البلاد جمهورية انتظار لفاقدي الأمل في أيّ تبديل قريب للواقع الدراماتيكي الذي يهيمن على لبنان. لا طلات النواب ولا تبجّح الوزارات ولا شعوذات المنابر عبر الإعلام ووسائل التواصل، قادرة بعد الآن على تعويم شرعية ساقطة وصدقية انتهى مفعولها من زمان، حتى لو تظللوا بواقع تعامل العالم معهم كأنهم الشرعية الباقية. هي مسألة اهتراء وزمن يمر في ظلّ انقلاب يتوسّل الشرعية من ضعف خصومه.