كتبت النهار
حتى لو تراجعت احتمالات تمدّد الحرب الإسرائيلية على غزة إلى المنطقة ولا سيما في اتجاه لبنان من دون أن تختفي كلياً، فإن الاشتباكات في الجنوب أو عبره ستبقى مفتوحة على مد وجزر بحيث تبقي لبنان على صفيح ساخن للأشهر المقبلة. وهذا لا يتصل فحسب بواقع أن "حزب الله" الذي يتواجه مع إسرائيل من ضمن قواعد الاشتباك التي تتوسّع أحياناً بعض الشيء يجد حرجاً كبيراً في احتمال الذهاب إلى إمكان "التوافق أو التفاهم" الذي يتحدث عنه وزير الدفاع الإسرائيلي أو الحرب كما يقول، قبل أن تنتهي الحرب على غزة خصوصاً أنه فتح حرب مشاغلة الجيش الإسرائيلي ربطاً بها. بل إن لبنان الذي يتناسى مسؤولوه أزمته الداخلية الحادة وعدم القيام بأي إجراءات إصلاحية لمنع تزايد الانهيار، سيشهد المزيد من التراجع والتدهور على مستويات متعددة، إذ يتصرف السياسيون راهناً وكل من في السلطة على قاعدة التجاهل الكلي للمأزق السياسي المهدّد لاستمرار الدولة وحتى إمكان بقائها. وهذه مأساة في حد ذاتها قياساً على الاستنفار والاشتباك السياسي على موضوع التمديد لقائد الجيش الذي يبقى في نهاية الأمور على أهميته تفصيلاً في ظل المخاطر التي تتهدد الكيان ولا من يسأل. ولكن هذه النقطة بالذات تبقى موضوعاً آخر.
والكلام الكثير عن إعطاء القرار 1701 زخماً جديداً مبنيّ على واقع أن قواعد الاشتباك التي كان معمولاً بها قبل تاريخ 7 تشرين الأول حين قامت حركة "حماس" بعملية "طوفان الأقصى" ضد إسرائيل لن تبقى ما بعدها في المرحلة المقبلة.
ولكن بالنسبة إلى استمرار الحرب الإسرائيلية بعنف على غزة من دون التمكن من تحقيق الأهداف التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة لهذه الحرب، وبدء إعطاء واشنطن مؤشرات عن مواصلة الحرب لأمد طويل وضرورة الذهاب إلى حل سياسي، ترجّح مصادر ديبلوماسية جملة سيناريوهات ربطاً بالمأزق الذي تجد هذه الحكومة نفسها فيه أي العجز عن إنهاء حركة "حماس". ومن بين هذه السيناريوهات وتأميناً لنزول حكومة نتنياهو عن شجرة أهدافها في القضاء على "حماس"، يبقى خطر الاستشراس الإسرائيلي الجاري ضد الضفة الغربية والذي تسعى فيه الحكومة الإسرائيلية إلى التعويض عن انتصار وهمي في غزة في الضفة. وذلك بالتزامن مع تغيير وتيرة الحرب الإسرائيلية على غزة لتتراجع قليلاً لكن من دون أن تنتهي في المدى المنظور حفظاً لماء وجه إسرائيل أنها تواصل الحرب لكن بتكتيك جديد أو ما شابه. وبذلك تحفظ هذه الحكومة استمراريتها في الأشهر المقبلة انطلاقاً من أن وقف الحرب سيفجّر حكومة المتطرفين وتخرج نتنياهو على الأرجح وتدخل إسرائيل في أزمة سياسية كبيرة يجري السعي إلى تجنّبها وتمديد أجل حكومة نتنياهو إلى إشعار آخر.
هذه التوقعات من شأنها أن تبقي على الجنوب اللبناني قائماً في حمأة الصراع ولو من دون انتقال الحرب إليه لاعتبارات تتعلق بمصلحة كل من إسرائيل والحزب وإيران بعدم الذهاب إلى حرب لا تبدو مضمونة بالنسبة إلى الطرفين المعنيين، إذ إن إسرائيل التي يرجّح وفق ما هددت به أن تلحق تدميراً هائلاً في لبنان يفوق تدمير حرب 2006 ستعود إلى الخلاصة نفسها التي انتهت إليها حرب تموز قبل 17 سنة مع وجود قرار دولي وقوات دولية أمّنت للطرفين مكسباً معنوياً من دون خسارة كلية، فيما إيران قد تلحق خسائر كبيرة بإسرائيل ولكن ستفقد حكماً إمساكها بورقة لبنان عبر الحزب كما هي الحال الآن، فيما سيتخلى الخارج لا سيما العرب عنه لمساعدته كما كانت الحال بعد 2006، وستضطر إيران إلى أن تكون في موقع القيادة لا الاكتفاء بالقيادة من خلف على غرار الأسلوب الذي يعتمده الحزب منذ بضع سنوات حتى الآن.
الكلام عن تنفيذ القرار 1701 أعطته إسرائيل بُعداً جديداً بالكلام على استعدادها للتفاهم مع الحزب الذي تستبعد مصادر ديبلوماسية أن يترجم انسحاباً فعلياً من جنوبي الليطاني، بل اعتماد المقاربة نفسها التي اعتمدها إثر بدء العمل بتنفيذ القرار 1701، أي الذهاب مخفيّاً نسبياً في مناطق اليونيفيل والجيش اللبناني ولا سيما أن القرى الجنوبية الحدودية التي ينتمي أهلها إليه لا يمكن فصلها عنه. وفيما تذهب بعض الاقتناعات في اتجاه انسحاب إسرائيل من كل المناطق التي لا تزال تحتلها وصولاً إلى مزارع شبعا أو طلب الحزب لذلك، فإن الأمر غير مرجّح ربطاً بإزالة كل الذرائع لسلاحه حتى لو أنه اخترع ذرائع أخرى له وربطاً بإبقاء الربط مع سوريا التي لا تزال تحتل إسرائيل الجولان والتي لا تزال ترفض إعطاء الأمم المتحدة المستندات التي تسمح للبنان بإعادة مزارع شبعا قانونياً. فالكلام هنا لا يسري إلا على قواعد اشتباك جديدة قد يكون لبنان ذكياً ومحظوظاً لو أن لديه سلطة مسؤولة من أجل الاشتراط على إسرائيل نزع الكثير من أجهزة المراقبة التي تراقب القرى اللبنانية أو أن يطالب مثلاً بأن تنتشر قوة اليونيفيل للسلام بين الجانبين على طرفي الحدود لا على الجانب اللبناني فقط، علماً بأن هذه النقطة الأخيرة تتطلّب تعديلاً في قرارات مجلس الأمن المتعلقة باليونيفيل وهذا متعذّر في ظل استفحال الانقسامات الغربية مع روسيا. سيضطر لبنان تالياً لانتظار انتهاء الحرب على غزة فيما الاجتماعات الخارجية بما فيها لقاء أمين سر حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في جنيف على هامش المنتدى العالمي للاجئين يبقى على أهمية ما يمكن أن يكون قد تضمّنه والذي يؤكد معنيون أنه تناول لبنان، من دون ترجمة إيجابية تتعلق بأي مسعى إنقاذي جدّي أقلّه في المدى المنظور. وكذلك بالنسبة إلى اجتماع عبداللهيان بنظيره السعودي فيصل بن فرحان في جنيف أيضاً.