أبرز ما تناولته الصحف الصادرة اليوم السبت ٠٤/١١/٢٠٢٣


 كتبت النهار:

يُحتمل أن تربح إسرائيل حرب غزة في ساحة المعركة. لكنها رغم ذلك هُزمت في محكمة الرأي العام. لم يعد مهماً من هاجم المستشفى الأهلي في غزة حيث قُتل مئات المدنيين الأبرياء، ومن هاجم كنيسة القديس بروفيريوس الأرثوذكسية فيها. فالرأي العام أصدر حكمه في شوارع المدن داخل الشرق الأوسط وحتى خارجه. احتاج الناس الى عشرة أيام بعد قصف إسرائيل بطيرانها الحربي المستشفى المذكور أعلاه كي ينزلوا الى الشوارع في تظاهرات حاشدة رغم أن حكومتها وقيادة جيشها أكدتا أن صاروخاً أطلقه مقاومو "سرايا الجهاد" سقط خطأً عليها فدمّرها. حتى ولو المشاعر المعادية لإسرائيل عميقة الجذور في الشرق الأوسط. ذلك أن دولة إسرائيل عام 1948 سيطرت على قسم من أرض فلسطين بعد تهجير قسم كبير من أهلها العرب. ثم احتلت الضفة الغربية بعد 56 سنة وفرضت الحصار على غزة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها، ذلك أن هذه التطورات لا بد أن تكون أسهمت في تكوين المناخ الذي سمح لـ"حماس" بتأسيس جيشها في القطاع، وبتنفيذ "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي الذي أصاب إسرائيل بصدمة ليس سهلاً الشفاء منها وإن حقّقت، بمساعدة الغرب وأميركا وصمت العرب، نصراً عسكرياً كبيراً على الحركة الفلسطينية المذكورة. وربما يكون لرفض إسرائيل التفاوض لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعدم كفاءة السلطة الوطنية الفلسطينية دورٌ مهم في اتخاذ "حماس" قرار تحويل غزة ثكنة عسكرية لها وتأسيس جيش لها فيها استعداداً للعودة الى مقاتلة إسرائيل بحرب عصابات لا بحرب نظامية.


هذا الكلام قال قسم مهم منه باحث آسيوي عريق غير عربي قبل نحو أسبوعين في تحليل لما جرى في 7 أكتوبر وأضاف إليه الآتي: "لا شك في أن الفلسطينيين والعرب شعروا بالفخر لنجاح ميليشيا فلسطينية في تنفيذ هجوم على إسرائيل وفي تلطيخ صورتها والتشكيك في تفوقها العسكري والاستخباري وفي مناعتها واستعصائها على القهر. لكن في الوقت نفسه شوّش إقدام "حماس" على قتل رجال ونساء وأولاد "أبرياء" وعلى خطف نحو مئتين وثلاثين شخص وربما أكثر معظمهم مدنيون. وإن كان ذلك دفع بعض العرب على مواقع التواصل الاجتماعي الى انتقاد القسوة البالغة لـ"حماس" فإن القصف الإسرائيلي العشوائي لمخيّمات غزة ومستشفياتها ومساجدها وكنائسها ومجمعاتها السكنية وربما كل شيء فيها واللغة "الاستئصالية" التي استعملها قادة إسرائيل، لكن ذلك كله أسكت الأصوات العربية المنتقدة، علماً لأن مسافات مهمة كانت تفصل بين "حماس" لكونها جزءاً من "جماعة الإخوان المسلمين" وعدد من الدول العربية البعيدة من الأخيرة المختلفة معها على أكثر من توجّه. لكن "طوفان الأقصى" أعاد الاختلاف المذكور الى الخلف وحلّ مكانه التضامن مع "حماس" ومع شعب غزة وأحيا مشاعر الظلم عند تأسيس إسرائيل دولتها على قسم من أرض فلسطين واحتلالها القسم الباقي منها، وعملها من دون كلل لضمّه الى هذه الدولة وبأسلوب التأسيس نفسه أي القتل والسجن والتهجير والتشريد وسط صمت قبور خيّم من زمان على الدول الكبرى على تنوّعها. وكان ذلك عملياً تعبيراً عن تواطؤ كما عن قبول".


إلا أن اللافت في رأي الباحث الآسيوي نفسه هو أن نجاح "حماس" زاد من هالة مجموعات أخرى متحالفة مع إيران مثل "حزب الله" اللبناني الشيعي وحوثيي اليمن الذين أسهموا في اقتباس "حماس" لطريقة عملهم وتنظيمهم. علماً بأن الاثنين قد يكونان أفضل تجهيزاً من "حماس" وربما أقل خبرةً في القتال. في أي حال بدا الرد الإسرائيلي الوحشي على "طوفان الأقصى" غير رادع على النحو الذي ظنّه مقرّروه ومن اعتبروا دائماً أن إسرائيل لا تُقهر، إذ إن تنفيذها سياسة المطرقة والعقاب الجماعي فشل في قمع الفلسطينيين وتخلّيهم عن تطلعاتهم الوطنية كما في إخضاعهم". ماذا كانت نتيجة ذلك؟ أجاب الباحث الآسيوي العريق وغير العربي نفسه بالقول: "الدول العربية التي تعاملت مع إسرائيل رسمياً أو عملياً أصابها الجمود (وتعني في اللغة اللبنانية "الجمدة") فهم يريدون رؤية "حماس" مهزومة إن لم تكن مدمّرةً لكنهم مقيّدون بالرأي العام العربي المؤيّد للفلسطينيين. أكثر من ذلك، إن قدرة "حماس" على كسر أمن إسرائيل وعلى إيقاعها في "فخٍ" مهم إذا نفذت عملية عسكرية باحتلال غزة تستند إلى إيران لكونها تشكل تهديداً أمنياً مهماً في نظر الدول الخليجية. في أي حال استعادت مصر وسوريا هيبتهما عام 1973 بمفاجأتهما إسرائيل وتحقيقهما نجاحات أولية في ساحة القتال. وهما خسرتا في ساحة القتال لاحقاً لكنهما ربحتا الحرب سياسياً. ربما تكون "حماس" على هذه الطريق. علماً بأن حرب 1973 كانت تقليدية أمّا حرب "حماس" ففتحت جروحاً عميقة جداً ولم تندمل ولن تندمل عند الفلسطينيين والإسرائيليين مثل "الهولوكوست" أي المحرقة اليهودية على أيدي النازيين الألمان وتهجير الفلسطينيين عام 1948. طبعاً قد لا يفتح ذلك باب البحث في حلّ فعلي لقضيّة فلسطين لكنه يمكن أن يفتح باب البحث عن تسوية جدّية تضع قطاع غزة تحت إدارة الأمم المتحدة أو مجموعة من الدول العربية ولكن بصورةٍ موقّتة. طبعاً قد يكون التعبير عن هذا الحل أسهل من محاولة تطبيقه. فإسرائيل ترفضه لشكّها الدائم في الأمم المتحدة وأيضاً لشكّها في قدرة دول عربية على تجاوز عواطف شعوبها. في أي حال هجوم "حماس" القاسي جداً ورد إسرائيل "الوحشي" قوّيا المتشدّدين داخل طرفي الصراع المُزمن حتى وإن أخفق نتنياهو و"حماس" في آن واحد في النجاح في "البقاء" Survival بعد الحرب.