أبرز ما تناولته الصحف
كتبت الراي الكويتيه
للمرة الأولى منذ أعوام طويلة، خرقت إسرائيل قواعد الاشتباك بينها وبين «حزب الله» بقصفها مركزاً تابعاً للحزب في مدينة حمص السورية، وقتلت 7 أفراد بينهم مسؤول عسكري كبير، قبل أن تنقل في اليوم الثاني، أي أمس، لقصف هدفٍ غير ذي شأن عسكري، وهو عبارة عن شاحنة فارغة داخل حقل موز، ولكنه تطوُّرُ خطير لأن الاستهداف حصل في منطقة تبعد 40 كيلومتراً عن الحدود الجنوبية للبنان، ما شكّل نقلة نوعية على مستوى أرض المعركة وتوسع حدودها.
ولم يكن هذا التطور ليحصل من دون موافقة حكومة الحرب المصغرة التي يترأسها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي اتخذ قراره فقط بناءً على نتائج الحرب الدائرة في غزة وإرهاصاتها وتَواجُد القوات الأميركية بكثافة في منطقة الشرق الأوسط والدعم اللامحدود الذي يتمتع به ويغطي جميع جرائمه ضد الإنسانية.
فإلى أين تريد إسرائيل للحرب أن تتوسع بعد ضربها عرض الحائط بقواعد الاشتباك؟ وهل يحاول نتنياهو توسيع رقعة المعركة وجرّ واشنطن معه؟
خلال الحرب السورية، فَرَضَ «حزب الله» معادلةَ الردع على إسرائيل، حيث لم يعد هناك قتْل لأي عنصرٍ من الحزب من دون أن يُحْدِثَ ذلك هزةً على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، تتخذ أقله شكل اختفاء جميع المظاهر المسلّحة لجيش الاحتلال خوفاً من ردّ فعل الحزب.
ومنذ بدء «طوفان الأقصى»، كان الحزب البادئ بالهجوم الأول على موقع الرادار الإسرائيلي المشيَّد على أرضٍ لبنانية محتلة يوم الثامن من أكتوبر، لتكرّ السبحةَ بعمليات متبادَلة أوقعت عدداً كبيراً من القتلى والجرحى من الطرفين.
واقتصرت المعارك على ضرب أهداف عسكرية مع بعض الخروق الإسرائيلية التي تمثّلت باستهداف سيارتيْ إسعاف وقتل أربعة مدنيين بينهم ثلاثة طفلات وجدّتهنّ كنّ في سيارة اشتبهت إسرائيل بأنها تتبع للمقاومة اللبنانية.
وفي كل يومٍ، كان «حزب الله» هو البادئ بضرب أهداف إسرائيلية ولكن ضمن حدود اشتباكٍ لم تتعد أكثر من 5 كيلومترات من الحدود على المقلبين، ما عدا بعض الخروق الظرفية.
إلا أن الهجمات التي حصلت من الحدود اللبنانية ولم يكن الحزب وحده من تبنّاها بل تنظيمات فلسطينية عدة أيضاً، لم تقتنع أبداً إسرائيل بعدم مسؤولية الحزب عنها لسيطرته الكاملة على كل ما يجري على الحدود، خصوصاً أن حالة حرب غير معلَنة سائدة بين الطرفين منذ أكثر من 36 يوماً.
وهذا ما لم تستسِغه إسرائيل يوماً ولكنها التزمتْ بقواعد الاشتباك غير المعلَنة مع تحميل «حزب الله» المسؤولية بضرب مواقعه عند كل هجوم ينطلق من لبنان.
وحصلت الضربة التي أخرجت إسرائيل عن روعها عندما هاجمت طائرات مسيَّرة مدينة إيلات على البحر الأحمر التي تستخدمها إسرائيل كملاذ آمن للمستوطنين الهاربين من الحدود الشمالية مع لبنان والجنوبية مع غزة.
إذ شيّدت إسرائيل 150 ألف خيمة لمهجريها للمرة الأولى منذ إعلانها احتلال فلسطين عام 1948 واعتبرتْها خارج دائرة الصراع القائم.
وبالنسبة لإسرائيل، فإن قائد «محور المقاومة»، الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، هو المسؤول عن هجماتٍ أعلن «أنصارالله» الحوثي في اليمن مسؤوليته عنها وأصابتْ مدينة إيلات بعدما عبرتْ وتملّصت من منصات الصواريخ الاعتراضية في البحر حيث تنتشر السفن الأميركية لحمايةِ إسرائيل، وأيضاً المنظومات الاعتراضية الإسرائيلية.
ورغم عبور المسيَّرات والصواريخ اليمنية فوق البحر الأحمر لاستهداف إيلات، إلا أن إسرائيل وجهت ضربة مؤلمة لـ«حزب الله» في حمص، ومن ثم وسّعت رقعة الاشتباك وجغرافيته إلى الداخل اللبناني لتصل الرسالة بأنها مستعدة لمواجهةٍ متدحرجة أوسع إذا اضُطرت لذلك.
إضافة إلى ذلك، تعتقد مصادر في «محور المقاومة» أن «الضربات التي بلغت العمقَ اللبناني وفي سورية لم تكن لتحصل لولا موافقة المجلس الحكومي المصغر المؤلف من نتنياهو وبيني غانتس ووزير الدفاع يوآف غالانت الذين يجب أن يوافقوا على الضربة وجغرافيتها ونتائجها على صعيد ردات فعل المقاومة وتبعاتها».
وبحسب المصادر، فإن «سيْر المعارك في غزة هو مؤشر مهم للقرارات التي يتّخذها المجلس المصغر والذي أصبح يعتقد ويقدّر أنه يستطيع القتال على أكثر من جبهة في وقت واحد ما دامت أساطيل أميركا موجودة في المنطقة وما دام سلاح الطيران الإسرائيلي قد انتهى من تدمير شمال غزة حيث توغّل داخله اللواء الميكانيكي (الدبابات وناقلات الجند) ومعهم المشاة، وبعد استنزاف»بنك الأهداف»وتَواجُد قوات برية داخل غزة في جزئها الشمالي تستطيع بما يتيح لإسرائيل الاستغناء عن أكبر عدد من الطائرات والاستعانة ببضع طائرات فقط لضرب أهداف ليزرية أثناء تقدم القوات لتدمير هدف أو أهداف معينة خلال الهجوم المتقدم في مساحة صغيرة جغرافياً (6 كيلومترات عرض بـ 13 كيلومتراً طول).
وتالياً، فإن انتهاء عمل الطيران بشكل عام يخوّله التوجه نحو جبهة أخرى إذا لزم الأمر».
لكن هناك أيضاً نظرية عسكرية أخرى تقول «إن الضربات الإسرائيلية في حمص ولبنان (الزهراني) هي خرق لقواعد الاشتباك ولكن من الممكن أن تكون رسالة لحزب الله بأن جيش الاحتلال يستطيع توسيع الجبهة إذا لم يلتزم حزب الله بتبادل الضربات فقط على خط الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة ويوقف الضربات الآتية من اليمن. وهذه هي السياسة عينها التي تتبعها أميركا التي تضرب أهدافاً في سورية كلما ضَربت المقاومة العراقية القواعد الأميركية في العراق».
ومهما كانت الفرضيات والنظريات العسكرية، فإن شيئاً واحداً هو الثابت: إذا لم تُردع إسرائيل فإنها ستكرر فعلتها وتوسع ضرباتها في العمق اللبناني وأهدافَها في سورية كلما تلقت ضربةً موجعة في أي ساحة أخرى.
وتالياً فإن هذا التطور الخطير يتطلب خطوات من «حزب الله» لإعادة فرض قواعد الاشتباك - من دون الذهاب إلى حرب شاملة - مع إسرائيل أو أن تتدهور الأمور إلى ما هو أبعد من تَبادُل حدودي.
وتبقى الأنظار متجهة نحو غزة: إذا احتلّت إسرائيل الجزء الشمالي بسرعة - رغم البطء الذي تَمَلْمَلَ منه رئيس الوزراء والذي أصاب الجيش الغازي المحتل المتعثّر في بقعة صغيرة من غزة - فإنه من المحتمل أن تتجه مَدافع إسرائيل نحو لبنان بشكل مكثف أكثر مما هو عليه الحال اليوم، خصوصاً أنها تتمتع بدعم لا مسبوق على جرائمها الهمجية في غزة ضد أطفالها ونسائها وشيوخها ومستشفياتها ومدارسها ومنازل المدنيين والبنية التحتية.
ولهذا فإن رد فعل «حزب الله» - الذي رد بقوة على هذه الخروق بسلسلة ضربات موجعة مباشرة بعد التجرؤ الإسرائيلي – هي التي تحدد مسار الحرب إذا قُدر لها بالتوسع أو إبقاء رقعة الاشتباك ضمن حدود يستطيع الطرفان احتواءها والسيطرة على حدودها دون توسعها.