أبرز ما تناولته الصحف الصادرة اليوم الجمعه ٢٤/١١/٢٠٢٣


 كتبت النهار

ثمة ثلاث حروب، في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، تثبت حقيقة وقاعدة حربية تاريخيّة ثابتة عمرها من عمر الحروب بين البشر والبلدان، وهي أن عامل المخادعة والمباغتة يشكل أكثر من ثلاثة أرباع فرصة تحقيق الانتصارات وإيقاع الهزائم. حرب 1967 التي ألحقت فيها إسرائيل النكسة التاريخية بالعرب، وحرب 1973 التي ألحق فيها الجيشان المصري والسوري هزيمة تاريخيّة أيضاً بإسرائيل من خلال عبور سيناء واسترداد الجولان، وحرب غلاف غزة في السابع من تشرين الأول 2023 التي ألحقت فيها حركة "حماس" أشد الهزائم إيلاماً بإسرائيل عبر اختراق لمفهوم الدولة الفولاذية التي لا تقهر.


لا يقلل إيراد هذه الحروب من الأهمية التاريخية إطلاقاً للحروب الأخرى في لبنان وانتفاضات الفلسطينيين وأثرها التاريخيّ ولكن المقصود بهذه الحروب الثلاثة إبراز عامل المفاجأة والمخادعة وما يمكن أن ينسحب منه راهناً، بعد، في استقراء التوقعات المتعلقة بلبنان في مقبل الأيام. والحال أن الأيام والساعات الراهنة تكتسب خطورة عالية جداً، لعلها الأخطر إطلاقاً، في تقرير مسار ومصير المواجهة الميدانية المتدحرجة في الجنوب والمنذرة في أي لحظة بما لا يمكن الجزم بأنه مستبعد، أي اندلاع حرب شاملة.


لقد شهد الجنوب في الساعات التي كان يُفترض أنها الساعات الفاصلة عن بدء سريان "هدنة غزة" صباح البارحة والتي تأخر سريانها، أعنف الهجمات الإسرائيلية على الخطوط الميدانية للمواجهة مع "حزب الله" كما أعنف القصف على البلدات الحدودية، ولم يكن ذلك أمراً عادياً في مسار "نصف الحرب" المحصور بخطوط المواجهة الحدودية منذ الثامن من تشرين الأول الماضي. وإن كانت المجموعة القيادية من "حزب الله" التي سقطت في ضربة بيت ياحون شكلت إنذاراً متقدماً الى طبيعة التلاحم القتاليّ الذي سيغدو في حال اتساع أكبر للمواجهة أشبه بقتال السلاح الأبيض وجهاً لوجه في حرب تشهد استعمال أسلحة بالغة التطوير في التقنيات التكنولوجية، فإن أخطر الأسئلة التي تتركها شراسة المواجهة الجارية: هل تنسحب فعلاً الهدنة في غزة على الجبهة الجنوبية أم ثمة ما يتعيّن أن نخشاه أكثر فأكثر في ظل الهدنة وبعدها سواء أنجحت في غزة أم أخفق تنفيذها؟


لا تحتاج وقائع الأيام الأخيرة الى كثير من التدقيق لتظهير التصعيد الأشد خطورة في الوقائع الميدانية لناحية لبنان عبر تصيّد إسرائيلي متعمّد وواضح لضربات "نوعية" في استهداف الإعلام والمدنيين أسوة باستهداف "حزب الله" و"حماس" الأمر الذي لا بد من أن يكون وُضع على طاولة الخيارات الأشد تعقيداً وخطورة في شأن الجبهة اللبنانية الجنوبية منذ اشتعالها. ومع أن نحو 49 يوماً منذ عملية "طوفان الأقصى" لم يعد يصحّ معها الحديث عن إمكان الزج مجدّداً بعامل المفاجأة والمخادعة، فإن الكثير من وقائع هذه الأيام تعكس كل السائد من توقعات ربط الهدنة في غزة بالتهدئة في الجبهة الجنوبية. بل إن لبنان الذي "ينفخ على اللبن" ولا يقوى على تصور حرب أخرى تسحقه والذي لا حول له ولا طَول، يبدو مرغماً مرة جديدة على عدم الركون إطلاقاً لزمن "الهدنات" الذي ربما يخبّئ الأفعى في كمّه لئلا يُلدغ من جحر الحروب مرتين ومئة… فمن قال إن كل التحذيرات الخارجية التي تساقطت على لبنان من قابلية إسرائيلية مستشرية كانت فقط لغسل الأيدي من الآتي الأعظم؟ لا يحتمل لبنان المجرّب أيّ وهم حيال الهدنات!