أبرز ما تناولته الصحف الصادرة اليوم السبت ١١/١١/٢٠٢٣

 

كتبت النهار


نهجُ "الغموض والالتباس" الذي سارت على هَدْيهِ قيادة "حزب الله" منذ الثامن من الشهر الماضي، وجعلته كما صار معلوماً شعاراً غلّفت به توجهاتها الحقيقية المضمرة حيال مدى دخوله مشاركاً وطرفاً في معركة "طوفان الاقصى" التي تقودها حركة "حماس" منذ اكثر من شهر، حوّلته الى ثابتة ولازمة في خطابها، خصوصا ان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله اكد عليه وتبنّاه صراحة في اطلالته في الثالث من الشهر الجاري، وثمة تأكيدات بانه سيعيد الالتزام به والتقيد بمضامينه في إطلالته المرتقبة اليوم.


ولاريب في ان الحزب يعتقد ان هذا النهج قد بدأ يعطي ثماره المتوخاة من خلال "العجز" الاميركي عن استشراف واضح للخطوات التالية التي سيقدِم عليها على جبهة الحدود الجنوبية التي كان المبادر لإشعالها والقبض على زمام المبادرة فيها من موقع المهاجم وجعل الطرف الآخر في موقع المدافع.


هذا اللايقين الاميركي المتجلّي اخيرا في تصريحات وتسريبات اميركية متناقضة ظهر الى العلن في ما أورده الإعلام أول من أمس، اذ أفادت مصادر ديبلوماسية اميركية بان "الولايات المتحدة ليست قلقة حيال المواجهات الدائرة على الحدود اللبنانية، لان هناك سقفاً يضبط هذه المواجهات وهو ناجم عن الاتصالات القائمة بين واشنطن وطهران"، واكدتها صحف أخرى عندما نقلت عن مسؤول اميركي جزمه بان "الصراع بين لبنان واسرائيل ليس حتميا".


لكن في مقابل كل هذا الاطمئنان الذي تعبّر عنه الادارة الاميركية، فان ثمة مصادر إعلامية اخرى ذكرت ان سؤالاً يدور في العاصمة الاميركية لم يجد اجابة واضحة رغم مرور اكثر من شهر على حرب غزة حول الخطط التي يبيّتها "حزب الله" في شأن دوره الحاضر والمستقبلي في هذه الحرب.


يعزو الباحث الأكاديمي طلال عتريسي "هذا التخبط الاميركي الذي يرقى الى مستوى الارباك" الى امور عدة، ابرزها قدرة الحزب الفائقة على الاعتصام بنهج الغموض والالتباس ورفضه التخلي عنه أو التحلل منه ولو قيد انملة، وقد تجلّى ذلك في رفضه اعطاء اي تطمينات تُفصح عن حقيقة توجهاته الميدانية رغم كل الضغوط التي مورست عليه وعلى الجانب الرسمي اللبناني. وقد استخدم الضاغطون وفي مقدمهم الجانب الاميركي اسلوب الترهيب عبر التحذير من تدمير لبنان على صورة غزة والترغيب من خلال التعهد بلجم يد تل أبيب عن أي فعل عدواني تجاه لبنان.


وفي موازاة ذلك، كان الحزب يمارس سياسة التصعيد الميداني المتدرج والمضبوط بعناية ودراية الخبير بالارض وبالتوازنات على نحو فاجأ الاسرائيلي والاميركي معا واضطرهما الى ادخال تبديلات على حساباتهم.


ويبدو ايضا ان الحزب استغل ثغرة في الاداء الاسرائيلي ناجمة عن التوصية الاميركية الحازمة له بضبط نفسه والامتناع عن كل ما قد يؤدي الى توسيع نطاق المواجهات على الحدود لان ذلك من شأنه ان يبدل التوازنات ويوسع نطاقها لتصير حرباً اقليمية. وهو بدأ من خلال هذه الثغرة التصعيد المدروس.


ولاريب في ان الارباك واللايقين الاميركي قد ارتفع منسوبه بُعيد الاطلالة الاولى للسيد نصرالله في 3 الشهر الجاري والذي كان عبارة عن خطاب حار كثر في تفسيره وجلاء غوامضه وفك رموزه كونه كان حمّال اوجه ، فزاد في الغموض غموضاً وفي الالتباس التباساً.

فضلاً عن ذلك، فان الخطاب اياه كان في الكثير من مضامينه حدثا مفصليا، خصوصا ان نصرالله جاهر بأمرين اثنين هما:


- تحدّيه للاميركيين، مذكراً اياهم بحقبة يكرهونها كان لرجاله فيها دور.


- التصعيد الميداني اليومي حيث عمد الحزب الى ادخال تكتيكات واسلحة متطورة على نحو يومي مثبتاً بذلك انه ليس في وضع الخائف أو المربك وانه مستعد لكل الاحتمالات بما فيها الاسوأ.


ويستطرد عتريسي "ان الحزب لم يُجب مباشرة عن اسئلة أتته من جهات عدة حول المدى الذي سيبلغه في مشاركته في الحرب، لكنه نجح من خلال نهج الغموض اياه في تقديم اجابات سياسية وميدانية كافية لا ترقى الى عنوان اعلان الحرب، لكنها في سلوك وأداء تنطوي على أبعاد يعرف أسرارها ذوو الاختصاص والشأن".


ويقول: "اضافة الى كل هذا، فمة أمر لا بد من أخذه في الاعتبار وهو ان الاميركي نفسه دخل الى الميدان وهو مربك اصلا بخياراته امام الصلف الاسرائيلي وامام الاستجداء العربي وامام التحول في العالم كله لجهة رؤيته للصراع العربي - الاسرائيلي وتعاطفه مع الشعب الفلسطيني".


ويخلص عتريسي الى الاستنتاج "ان واشنطن ما انفكت في حال نكران لما آلت اليه اسرائيل التي لم تعد وفق ما برهنت عليه التطورات قادرة على ان تؤدي الدور الذي زُرعت من اجله في قلب المنطقة، وعلى ان تقوم بالمهمة التي أُعِدت لأجلها قبل نحو ثمانية عقود، لذا كان ارتباكها امرا طبيعيا".


واذا كان ثمة من يعتبر ان الحزب قد نجح خلال الايام الاربعة والثلاثين الماضية في الاستفادة من نهج الغموض، فان ذلك على بداهته لم يبدد موجة مخاوف وقلق بدأت تجد من يجاهر بها في اوساط شيعية ترجمتها عبر تساؤلات عبّر عنها الباحث والمدوّن والقيادي السابق في حركة "امل" الاكاديمي نسيب حطيط الذي كتب في مدوّنته ما أثار سجالا واستجلب ردود فعل أفصحت عن هواجس كامنة، اذ قال: "ان ربط توسع الحرب في لبنان بما يجري في غزة سيؤدي حتما الى الشراكة الحقيقية في الحرب، لان العدو الاسرائيلي لن يوقف حربه على غزة لانه يرى انها الفرصة التاريخية الاولى التي لن تتكرر للتخلص من غزة"...


ويسأل: "هل تقع المقاومة واهلها في مكمن الثأر الدولي والعربي والاسرائيلي فتصل الى نقطة انها (المقاومة) تدخلت لتدعم غزة فوجدت نفسها وحيدة في المواجهة ولا يدعمها أحد؟ هل تكون المقاومة ضحية صدقيتها، وهل تكون المقاومة واهلها ضحية التزامهم الديني والوطني والقومي والانساني؟".


عموما، يبدو سريان تلك التساؤلات مشروعاً في ظل اصرار الحزب على غموضه وكتمانه في مرحلة بالغة الخطورة تنطوي على مفاجآت واحتمالات شتى.