كتبت النهار
الأكيد أن أحداً لا يمكنه الإجابة بشكل حاسم على سؤال عما اذا كانت المنطقة ذاهبة الى حرب واسعة النطاق أم لا. واذا كان "محور الممانعة" يهلل لصمت الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، باعتبار هذا الصمت عاملَ قلقٍ إضافياً لإسرائيل، فإنه يترجم هذا الصمت "البليغ" بشكل خاطئ، أو بما يرضي كبرياءه، اذ إن الصمت "المحيّر" قد يعبّر عن حيرة لدى صاحبه وفريقه لان الذهاب الى الحرب ليس نزهة عابرة، وله تداعياته التي قد تطول، وقد تكون القدرة على تجاوزها صعبة حدّ الإستحالة، في بلد لم يخرج بعد من أزماته المتتالية والتي تفجرت في العامين 2019 و2020، ولا تزال تجرجر ذيولها من دون أي رؤية مستقبلية وفي غياب الإمكانات الحقيقية.
لا يمكن لـ"حزب الله" ان يقرر الحرب من عدمها، إلا في ضوء التطورات الاسرائيلية، والحسابات الاقليمية، فهو ليس في معزل عن المحيط، وقراره لا ينبع من إرادة ذاتية فقط.
والحرب إذا ما وقعت وتوسعت، فإنها لن تنحصر في دول جوار إسرائيل، بل ستمتد الى الأبعد، وصولاً الى أوروبا، مروراً بمصالح أميركا وروسيا والصين. وبذلك تكون أشبه بحرب عالمية ثالثة، العالمُ غير مستعد لها.
واذا كان لا يمكن لأحد أن يجزم بمسار التطورات، إلا أن أحاديث وتصريحات سياسيي ومحللي "محور الممانعة" كما يسميه خصومهم، باتت تستدرك عدم هرولة الحزب للإنزلاق في الحرب، وعدم خضوعه لتهوّر الشارع، الذي يرى كأن الفرصة قد حانت للقضاء على إسرائيل.
عمَّا يتكلمون في الأيام الأخيرة؟ عن حرب كاملة لا شاملة، ويفسرونها على أنها أولاً أسقطت "الخط الأزرق" والمعادلات الحدودية، وأسقطت ثانياً، الى حد ما، قواعد الاشتباك، وأنها ثالثاً فتحت المجال لـ"المقاومة الفلسطينية" لبلوغ الحدود بل لتجاوزها، وأنها رابعاً أطلقت صواريخ وقذائف الى مناطق خارج مزارع شبعا، أي في الداخل، وأنها خامساً بدأت تحقق انتصارات بدليل إصابة العدو بخسائر، وعدم مقدرة إسرائيل إلا على الرد المحدود. وترى سادساً الى التصريحات الإسرائيلية بدعوة لبنان والحزب الى عدم المغامرة والانتحار، تعبيراً عن قلق كبير مطلوب تحقّقه. وسابعاً، تعتقد أن فتح جبهات عدة في الداخل الفلسطيني وفي لبنان والجولان، وربما من اليمن والعراق... إنما تعبّر عن توسع الحرب وتهديدها ليس فقط إسرائيل، بل أميركا التي تغذّيها وتحميها.
لا نقاش، أو لا ضرورة للنقاش، في النقاط الآنفة الذكر، بل قراءة في مجملها، وفيها تبرير لعدم توسع الحرب، وتبرئة "حزب الله" من تهمة التقصير، خصوصاً بعدما اعتبرت حركة "حماس" أن تأييد الحزب لها لم يترجم بشكل كاف.
ويرى محللون قريبون من الحزب، أن فتح جبهات عدة في غير مكان، قد يكون أكثر إحراجاً لإسرائيل من إعطائها ذريعة لقصف لبنان وتدميره، إذ لا يمكنها أن تقصف غزة ولبنان وسوريا والعراق، وصولاً الى إيران معاً من دون إنهاك قد يصيبها في العمق.
معنى تلك التفسيرات أن الحرب تأخذ مداها على هذا النحو، وهي قد تتحول حرب استنزاف طويل يزيد من الإهتراء اللبناني، ومن الوهن، ويعمّق الإنهيار الداخلي، بدلاً من قصف همجي إسرائيلي يقضي على كل شيء دفعة واحدة، ويعطي "حزب الله" ذريعة الرد بشكل عنيف أيضاً، مسبباً للدولة العبرية خسائر لا تحصى.
لا تنتظروا الحرب، نحن في الحرب، إلا اذا حصلت مفاجآت وقرارات انتحارية كارثية لا يمكن التنبؤ حتى الآن بحدوثها، أو بعدم وقوعها.