أبرز ما تناولته الصحف الصادرة الجمعة ٢٠/١٠/٢٠٢٣


 كتبت النهار

لا يمكن الركون في محاولات "ضرب المندل" واستقراء الاحداث قبل استفحالها الى مجريات الأسبوعين الأخيرين ميدانياً عبر "الجبهة الثانية" في الجنوب اللبناني للجزم بأن مسارها سيبقى هكذا أو سيتطور تصاعدياً واتساعاً الى حرب شاملة ما دمنا أمام تبديل متدحرج للوقائع وما يُسمى "قواعد الاشتباك" لا يملك أحد معرفة طبيعة تطوره. ولذا قد يكون الأفضل لدعاة التوظيف الدعائي الإعلامي في لبنان حصراً، في مرحلة شديدة الغموض والخطورة كهذه، ان يوفروا القليل من توهّج قرائحهم والتواضع أمام واقع مرشح في أي لحظة لتكذيب وتدمير كل السيناريوات والتصورات والاجتهادات والأحكام المسبقة برشق صاروخي واحد سيكون شرارة تلك الحرب الكبرى المخيفة.


نقول ذلك مع ألوف مؤلَّفة من اللبنانيين المتوجسين خيفة أمام مشهد شرق أوسطي "ينضح" بالمجازر التي صارت سمة منطقة ملعونة في التاريخ والجغرافيا والمصير منذ ما قبل نشوء إسرائيل ومع انشائها بلوغاً حتى الساعة، ناهيك عن مسارات الدول الأبعد من نطاق الصراع العربي - الإسرائيلي الأقرب، اذ لا يقف الأمر في تاريخ المذابح على هذا الصراع بل يتجاوزه الى "طبائع" الأنظمة والسياسات والعقائد المتحكّمة بدول الشرق الأوسط في معظمها. ولكن ما يعنينا الآن، ولبنان آخذ في الانزلاق اليومي المتدحرج نحو "الانخراط" الاوسع الجهنمي في الحرب، كالرمل المنزلق بسرعة رتيبة على وقْع ساعة رملية، ان نتفحّص فرصة ألّا نسقط نهائياً في ما لا حاجة الى تصور أخطاره وهو ماثل بكل رعبه أمام مشهد غزة.


الجاري منذ 7 تشرين الأول على جانبي "الجبهة الثانية" في الجنوب يكاد يرسم "قواعد اشتباك" محدثة قوامها، حتى الساعة، مواجهات ميدانية مباشرة "وجهاً لوجه" بمبارزات الصواريخ الأرضية والجوية والمدفعية بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي مع إبعاد الأعماق البعيدة وتحييدها…حتى الساعة دائما. واذا كانت إسرائيل وسّعت إطار تفريغها لمستوطنات وبلدات الجليل الى حدود خمسة كيلومترات فان البلدات اللبنانية الحدودية الجنوبية شهدت وتشهد نزوحاً واسعاً ولو أنه مكتوم. المعادلة الميدانية الجارية لا يمكن الركون اليها كمعادلة دائمة بديلة من حرب شاملة يدرك تماما كلّ من طرفيها تكاليفها المخيفة، ولكن أيضا ليس مستحيلاً هذه المرة تصوّر إمكان ان تتحول تدريجاً إذا طال أمد حرب الاستنزاف في غزة من دون مجازر إضافية، الى حالة ميدانية وسيطة بما بين "حرب وحالة حرب" تُبعد الأعماق المدنية عن مواجهة الخطوط المباشرة كتلك الجارية راهناً. ذلك ان نحو أسبوعين بعد عملية "طوفان الأقصى" أثبتا ان الاستناد الى وقائع المواجهات والحروب السابقة في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي لا يشكل المعيار الأدق والأكثر "صدقية" للحكم على مسار التوقعات القريبة أو البعيدة المدى في هذه الحرب المختلفة اختلافاً واسعاً بمعاييرها عن السابق القريب والبعيد. لعلّ المعيار الوحيد الأحد الذي لا ولم ولن يتبدل هو حمّامات الدماء والمذابح فقط، وتاريخ إسرائيل فيها منذ ما قبل مجزرة دير ياسين في سنة نشوء إسرائيل "رسمياً" حتى مجزرة مستشفى المعمداني في غزة قبل أيام، سواء في فلسطين أو في لبنان، لا ينفصل عن النتائج التي تتركها كل حرب وغالباً ما تنهيها ارتدادات شلالات المذابح دولياً وإقليمياً ليعود الصراع والعداء والكراهية والحقد مئات السنين الى الوراء. وبإزاء ذلك إيانا وإياكم "حتى الساعة" ان نعرف ما ينتظرنا سوى التحسّب لأسوأ الأسوأ فقط!