أبرز ما تناولته الصحف الصادرة اليوم الجمعة١٥/٠٩/٢٠٢٣

 

كتبت النهار:

مع كل التحفظات والأخطاء التي شابت "الوساطة الفرنسية" في أزمة الرئاسة اللبنانية منذ نشوئها، الأمر محسوم في أن أي فريق داخلي لبناني لا يمتلك الصدقية الكافية ولا الحق "الأخلاقي" والمعنوي أقله في أن يحاكم هذه الوساطة وإن كان من حق أي فريق رفضها أو التحفظ عنها أو قبولها والتسليم بكل مجرياتها …


ولكن على رغم ذلك تضع المناخات الملتبسة لآخر جولات الوسيط الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت، الجولة الثالثة هذه، مجمل مفهوم وساطة بلاده على بساط التدقيق والسؤال: هل كنا أمام وساطة فعلاً أم تراها "المبادرة" الفرنسية تركت نفسها تلتحق باهتراء الأزمة السياسية – الرئاسية اللبنانية وتماهت هي مع هذا التأزم والاهتراء؟


والحال أن هذه الجولة الثالثة، وإن استبقنا أي تقويم لصاحب الوساطة حيالها، عكست مفهوماً سلبياً، ولو واقعياً، حيال الوساطة التي صارت معه أشبه بكشف طبي روتيني لواقع الأزمة المتعمقة في الاستعصاء فإذا باللبنانيين كـ"مشاهدين متلقين" هم أمام التفرج الممل المثير للزهق المتسع على مجمل الأفرقاء اللبنانيين المأزومين بالتأكيد ومعهم الوساطة الفرنسية نفسها. لم يعد ثمة فارق إلا في الموقع بين "الوسيط والمتوسط لديه" وكأنهما في الأزمة سواء. وليس الاستنتاج هذا وليد نزعة عقيمة تنحو في اتجاه استبعاد أي خيط يلوح في أفق الحفر في جدار الاستعصاء مع أن الوقائع السياسية تبرر تماماً حتى هذه النزعة لفرط ما جرّب اللبنانيون نماذج الوساطات والمبادرات الخارجية ومماحكاتها مع الانقسامات التاريخية اللبنانية. ولكننا نقف مشدوهين واقعياً أمام دول تغدو كالأفرقاء السياسيين أنفسهم في لحس المبرد ولا تتراجع قيد أنملة عن فشل محقق بات أمراً مثبتاً كالذي تواجهه فرنسا "الراهنة" في الوحل اللبناني. ولعلنا لا نجافي الواقعية إن لاحظنا أن الجانب المسؤول كلياً عن تعطيل الانتخابات الرئاسية، أي فريق الممانعة المرتبط بمحوره الإيراني، بات يتعامل مع مجمل الأزمة بمنطق أكثر فوقية واستعلاءً "واستكباراً" لمجرد أنه يوظف مكابرة ليست مبررة لدى الوسيط الفرنسي الذي لم يضع بعد الحد الحاسم القاطع المطلوب من أي وسيط خارجي لكي يوفر عامل التجرد الأساسي في نجاح وساطته. ذهبت الوساطة الفرنسية بعيداً جداً في منحى خطير يتجاوز حتى ملف الرئاسة وهو أنها جعلت الفريق الذي دأب على اتباع النهج الانقلابي على الأصول الدستورية يستقوي للمرة الأولى بهذا الحجم من الاستقواء بدولة كبرى هي أم الديموقراطيات العريقة وصاحبة الإرث التاريخي الأكبر في أوروبا والغرب في تلقين الأمم معنى الأصول المنتظمة في الديموقراطية.


مهما آلت إليه وساطة جان إيف لودريان وبلاده في مقبل الأيام والاسابيع فإن ذلك لن يحجب جوهر الأثر الذي خلفته أشهر مديدة وطويلة من إخفاق تاريخي في التعامل مع تعقيدات الأزمة اللبنانية الى حدود "تكامل" الاهتراء بين مصير هذه الوساطة ومواقف الافرقاء السياسيين اللبنانيين في خضمها. إن الأيام التي أمضاها الوسيط الفرنسي في لبنان مع كل فوضى المنقول عنه والمنسوب إليه والأقوال والمواقف خلال هذه الأيام لا تؤدي إلا الى تساؤل كبير في أذهان اللبنانيين "العاديين": من تراه المأزوم أكثر، صاحبة الوساطة أم أصحاب التورط في الأزمة الأفرقاء السياسيون برمتهم وفي أي موقع كانوا؟ كأن لودريان جاء لكشف طبي متقدم ولا شيء يتجاوز ذلك… إلا إذا صدقنا أن طبخ المفاجآت لا يزال وارداً تحت ركام هذا الاهتراء…