أبرز ما تناولته الصحف الصادرة ليوم السبت ٢٧ ايار ٢٠٢٣



كتبت النهار

عندما تناهى الى العلم أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قد جاهر بتقديم استقالته من رئاسة الحزب التي يتولاها من دون انقطاع منذ عام 1977، لم يكن السؤال هو لماذا يقدم على هذا الإجراء، بل في وجه من يلقي هذه الاستقالة؟ واستتباعاً هل سيكون قراراً لا رجوع عنه في مقبل الأيام؟

منذ أكثر من ثلاثة أشهر حفلت الأوساط السياسية والإعلامية في بيروت بأنباء عن تباينات بين جنبلاط ونجله رئيس اللقاء الديموقراطي تيمور حيال قضايا وملفات أساسية وحول كيفية مقاربة الأمور والمستجدات بصورة مختلفة تفارق نمطية التعامل السابق لجنبلاط الأب منذ أن ألبس عباءة والده الزعيم كمال جنبلاط بعيد اغتياله في عام 1977، وهي النمطية التي تراوحت بين الاستعداد للكسر والمواجهة وتنطوي على قابلية العودة الى دائرة الجبر، خصوصاً إن لم تتطابق رهانات الحقل مع حسابات البيدر.

وفي السياق نفسه سرت لاحقاً معلومات مفادها أن جنبلاط في زيارته الأخيرة لعين التينة قد بثّ صديقه وحليفه الرئيس نبيه بري رغبته في مبارحة قواعد اللعبة السياسية التقليدية وولوج أداء مختلف قائم على أسس معادلات مختلفة عن تلك المتبعة ما بعد تطبيق اتفاق الطائف وما نتج عنها من معادلات. ولوّح جنبلاط بأنه وضع في حساباته الضمنية إمكان التخلي وترك حبل الأمور لتيمور وفريق عمله السياسي.

لم يكن أمام سيد عين التينة إلا أن يتمنّى عليه التحلي بأعلى درجات الصبر والأناة ملياً قبل أن يتخذ أي قرار أو تدبير.

وبعدما خرج جنبلاط من عين التينة مطلقاً بعض المواقف التي تعبّر عن عدم ارتياحه لمسار الأمور في الإقليم، فإن المحيطين ببرّي خرجوا من عنده باستنتاج فحواه أن جنبلاط صار في صدد اللجوء الى "انتفاضة" في فناء بيته السياسي الداخلي تروم هدفين اثنين:

الأول أنه بصدد ترك الفرصة كاملة لتيمور لخوض تجربته.

الثاني أنه بناءً على ذلك عازم على وقف العمل بالتزامات سابقة أعطاها لأن ثمة جيلاً يريد أن يلعب لعبته الخاصة من دون شراكة.

وبناءً على ذلك فإن السؤال الذي تبادر على الأثر: لماذا تأخر جنبلاط حتى الآن خصوصاً أن الدوافع الى قراره كائنة منذ زمن بعيد؟

ثمة إقرار من الراصدين بوجود تمايز طبيعي بين جنبلاط ونجله، إذ إن لكل زمن دولة ورجالاً، لكن ثمة عناصر أخرى قديمة ومستجدة تضافرت لتدفع جنبلاط الى هذا الفعل.

ففي صفوف خصوم ومناوئين لجنبلاط من "ينظر" بأن فعلة الأخير تفصح عن عدم قدرته على المضيّ قدماً في إدارته السابقة للأمور وهي الإدارة المتكئة على لعبة الاستفادة من الصراعات في الداخل والإقليم على حد سواء باعتباره بيضة القبّان الثابتة التي لا يمكن شطبها من أي معادلة.

فجنبلاط وفق خصومه استشعر أخيراً أن الأحداث والتحولات فاقت قدرته على الاحتواء ومن ثم العودة مجدداً الى صلب المعادلة الناشئة أو القديمة – المتجددة.

وبمعنى أوضح يستشعر جنبلاط منذ اتفاق بكين الذي أعاد فتح العلاقات بين طهران والرياض، ومنذ أن قرر النظام الرسمي العربي إعادة النظام السوري الى الجامعة العربية، أن ثمة مرحلة جديدة رسمت حدوداً أكبر من قدراته على التعامل معها بالأسلوب الذي دأب على اتباعه فوضعه ذلك أمام خيارين فإما التكيّف والتطبيع مع المستجد أو العودة الى مقولته السابقة القائمة على مبدأ الانكفاء والانسحاب والتوريث.

الى ذلك ثمة من لا يخفي أن جنبلاط يستشعر منذ زمن أن تجربة الحزب الذي أنشأه والده مع صفوة من النخبة الفكرية والسياسية في مطلع أربعينيات القرن الماضي (بينهم العلامة عبد الله العلايلي والمفكر كلوفيس مقصود) وفي زمن انطلاق الأفكار الاشتراكية، قد أدّى قسطه واستنفد دوره ولا بدّ من تطويره.

وهناك من يروي أن جنبلاط، بعد طيّ صفحة الحرب الأهلية وسريان اتفاق الطائف، قد فاتح الكثر بمسألة تطوير وظيفة الحزب لكي يكون له مكان أكثر تأثيراً الى حد أنه بحث في خيار تحويل حيّز أساسي منه الى حزب بيئي على غرار موضة الأحزاب التي راجت في العالم في ذلك الزمن قبل أن تعود لتذوي.

ومع ذلك فإن السؤال المطروح: هل استقالته الحالية نهائية ولا عودة عنها، واستطراداً هل تعني أنه سيغادر الميدان السياسي نهائياً؟