كتبت اللواء
كادت قضية صرف القاضية غادة عون التي شغلت لسنوات منصب النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان من الخدمة كقاضية، بناء على قرار المجلس التأديبي برئاسة القاضي جمال الحجار، تطغى على الاجواء المريحة، والمحيطة بالترتيبات الجارية لإنهاء الشغور الرئاسي في البلاد، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، في فترة زمنية معقولة، تتبلور مجرياتها في الاسبوعين المقبلين، في ضوء الضغط الدولي والعربي والاقليمي، لانهاء الوضع الشاذ الذي يهدد الاستقرار في لبنان.
على ان الاوساط السياسية والنيابية ماضية في متابعة المعلومات المتوافرة، مرورا بحركة السفراء، وصولا الى الجولة «المهمة» وذات الدلالات التي يواصلها سفير خادم الحرمين الشريفين في لبنان وليد بخاري، والذي اكد من بكركي ومن بعد لقاء البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ان «لا اعتراض لدينا على اي مرشح رئاسي، يختاره اللبنانيون، ويحظى على ثقتهم»، مشددا على ان «ما يتوافق عليه اللبنانيون نرحب به»، والذي من شأنه ان يضيء على المسار الايجابي ومدى وصوله الى مراحله الاخيرة، بإنهاء الفراغ.
ومن هذه الزاوية، فإن المؤشرات كلها تدل على أن «طبخة الرئاسة» وضعت على النار، خفيفة كانت او قوية، لكن الواضح ايضا ان الممانعة المسيحية تنشط للحؤول دون توفير النصاب، وفقا لما اكد رئيس لجنة الادارة والعدل، عضو كتلة الجمهورية القوية جورج عدوان عن ان المعارضة لديها 43 نائباً لمنع توفير النصاب، وهي تلتقي مع التيار الوطني الحر، في مواجهة ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية.
على هذا الاساس، نشطت حركة السفراء المعنيين بالملف اللبناني السفيرين السعودي وليد البخاري، والفرنسية آن غريو، ونظيرتها الاميركية دوروثي شيا... وفي الموازاة ، اعاد حزب الله تنشيط قنوات التواصل مع التيار الحر لاقناعه بتامين النصاب في جلسة انتخاب فرنجية ... حتى اللحظة اصطدمت مساعي الحزب برفض رئيس التيار الحر جبران باسيل السير بهذا الخيار، ولكن الاستثناء هنا ابداء باسيل ايجابية حول ترك الحرية لنوابه بالنزول الى اية جلسة يدعو اليها رئيس مجلس النواب نبيه لانتخاب رئيس للجمهورية...
في هذا السياق كشف قيادي حزبي من 8 آذار ان فرنسا باتت الوسيط المباشر بين حزب الله والسعودية، وان الحزب شدد على الوسيط الفرنسي عدم التشدد في المفاوضات مع الرياض في اطار توجه الحزب لابداء كل الايجابية اللازمة لتسهيل اتمام الانتخابات الرئاسية وانتخاب فرنجية رئيسا للجمهورية مقابل انتخاب اية شخصية سنية تريدها المملكة لرئاسة الحكومة.
إذاً، واصل السفير السعودي وليد بخاري جولته على القيادات السياسية والمرجعيات، فزار امس الراعي، ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، وشيخ عقل الموحدين الدروز سامي ابي المنى، فيما واصلت ايضا سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية دورثي شيا حراكها وزارت رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الذي التقى مساء النائب المستقل الدكتور غسان سكاف، الذي يحمل سلة اسماء لقوى المعارضة لإختيار اسم منها لترشيحه.
وذكرت مصادر نيابية متابعة لحركة السفير السعودي انه ابلغ من التقاهم حتى الان رسالة من المملكة إلى القوى السياسية اللبنانية، مفادها أن السعودية «لن تتدخل في الإستحقاق الرئاسي، وهذا معناه انّها لا تطرح اسماء معينة للرئاسة وان لا مشكلة لديها مع أي مرشح يتوافق عليه اللبنانيون».
الى ذلك، نفت اوساط عين التينة ما تردد عن ان موفداً للرئيس نبيه بري سيزور بكركي اليوم للقاء البطريرك الراعي.
بخاري: لا اعتراض
وغادر بخاري بكركي من دون الادلاء بأي تصريح. ولكن المسؤول الاعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض اعلن ان «بخاري نقل الى البطريرك تحيات المملكة، واثنى على دوره مثمنا المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل الى توافق يضع حداً للفراغ الرئاسي، الذي تعتبره المملكة يهدد كل المساعي الآيلة الى تحقيق تطلعات المجتمع اللبناني».
وشدد البخاري حسب غياض على انه «يجب وضع حد للفراغ الرئاسي بأسرع وقت ممكن ، مع التأكيد أن مبادرات البطريرك كفيلة بتحقيق الشراكة وتحافظ على الوحدة الوطنية في لبنان».
واضاف غياض: «ان المملكة تعتبر ان الاستحقاق الرئاسي شأن سياسي داخلي لبناني بامتياز، وقرار الخيارات السياسية يؤخذ ويصنع في بيروت، والمملكة ضد الاملاءات في هذا الموضوع من اي جهة كانت. واعرب عن ثقة المملكة بإمكانية اللبنانيين التوصل الى توافق يؤمن استعادة ثقة المجتمع الدولي ويساهم في ايجاد الحلول الملائمة للازمة السياسية والاقتصادية والامنية في لبنان».
وكشف غياض نقلا عن بخاري «ان المملكة ليس لديها اي اعتراض على اي مرشح رئاسي يحظى بثقة اللبنانيين انفسهم، فأي رئيس ينتخبه المجلس النيابي ترحب به المملكة الحريصة على التعاون ودعم لبنان».
وشدد الشيخ الخطيب، على «الدور السعودي المؤثر في تعزيز التضامن العربي الإسلامي الذي هو فوق الانتماءات المذهبية والعرقية».
وانتقل بخاري الى الصيفي حيث استقبله رئيس الكتائب النائب سامي الجميل، الذي قال بعد اللقاء: تحدثنا بالملف اللبناني وأكّدنا مواقفنا وقناعاتنا، وأنّ الأولوية أن يستعيد لبنان علاقاته مع المجتمعين العربي والدولي وأن تعاود الدول العربية دعمها لبنان بالاستثمارات».
وأكد الجميّل «أنّ المُهمّ بالنسبة إلينا ألّا تكون السنوات الستّ المقبلة كسابقاتها ولا بُدّ من أن يكون لبنان قادراً على استعادة ثقة المجتمعين العربي والدولي».
وقال: بأن ما من سفارة تطلب منّا شيئاً وهذا ينطبق على المملكة العربية السعودية التي تقول إنّ الملف الرئاسي هو شأن داخلي لبناني.
وطمأن الجميّل الجميع «بأنّ المملكة لم تطلب شيئاً ولا نحن نتلقى تعليمات من أحد، فمواقفنا وخياراتنا مرتبطة بقناعاتنا ومصلحة بلدنا».
اضاف: إن توافرت ظروف تأمين النصف زائد واحد لمرشح حزب الله في لبنان، فإن أي تأمين لنصاب الجلسة هو بمثابة انتخابه، داعياً إلى عدم الاختباء خلف الالتزام بالدستور لتوريطنا بست سنوات جديدة من الهيمنة والفقر والذل.
من جهته، أكد السفير السعودي أنّ ليس لدينا اعتراض على أيّ مرشحٍ رئاسي يختاره اللبنانيون ويحظى على ثقتهم، مشددًا على أنّ «ما يتوافق عليه اللبنانيّون نُرحّب به».
وعصراً، التقى بخاري شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى في دار الطائفة في بيروت وتناول البحث الأوضاع العامة والعلاقات الثنائية والقضايا المطروحة على الساحتين الداخلية والدولية.
وكان اللقاء مناسبة، نوّه خلالها الشيخ أبي المنى بالسفير بخاري و«بالدور الفاعل للمملكة العربية السعودية على المستويين العربي والدولي، وبعلاقتها التاريخية مع لبنان الذي وقفت الى جانبه اثناء المحن التي مر بها والتي يمر بها راهناً، والمساعي المبذولة لتخطي الوطن أزماته الاقتصادية، إضافة الى دورها المتوازن حيال الانقسامات السياسية التي لا تزال تعطل انجاز الاستحقاقات الدستورية وفي مقدمها رئاسة الجمهورية».
حراك بوصعب
وعلى خطٍ موازٍ، وفي إطار جولته على الكتل النيابية والنواب المستقلين، والأحزاب، زار نائب رئيس مجلس النواب النائب الياس بو صعب مقر «مشروع وطن الانسان» والتقى النائب نعمة افرام واعضاء المجلس التنفيذي. وبعد اللقاء قال النائب افرام: شرّفنا الرئيس بو صعب بزيارة لمقرّ مشروع وطن الإنسان ضمن جولته على النواب والكتل النيابية في مبادرة منه لخرق الجمود القاتل في لبنان. أنّ هذا الجمود يحمّلنا مسؤولية كبيرة أمام المجتمع الدولي، وإذا استمرّ فهو للأسف يعكس صورة بأن اللبنانيين قاصرون ينتظرون الدول لإدارة أزمتهم وإنقاذهم من وضعهم المأساوي.
جعجع: الفرص معدومة
أما جعجع، فقد اكد خلال لقاء السفيرة شيا، أن «الرهان على عامل الوقت في الانتخابات الرئاسية لن يخدم اي فريق وبشكل خاص الفريق الممانع ومرشحه، الذي لن يزيد من فرص انتخابه التي اصبحت معدومة، وبالتالي جلّ ما تؤديه لعبة الوقت هو تفاقم الازمة وتأخير فرص الاصلاح التي يحتاج اليها اللبنانيون اليوم قبل الغد.
اضاف جعجع : أنه حان الوقت للتحلي بالجرأة المطلوبة، ودعوة المجلس النيابي للالتئام والقيام بمهامه الدستورية، وفي مقدمتها انتخاب رئيس للجمهورية، في أسرع وقت ممكن.
ولاحقاً، اُعلن ان النائبين أنطوان حبشي وملحم الرياشي التقيا أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، موفدين من جعجع. وتناول اللقاء الذي دام أكثر من ساعتين، «وضع لبنان وأهميته ووضع المسيحيين فيه وفي المشرق في خضم الصراعات السياسية والحضارية القائمة» .
صرف عون
في تطور قضائي بارز، تبلغت النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غاده عون، قراراً صادراً عن المجلس التأديبي برئاسة القاضي جمال الحجار بصرفها من الخدمة، إلّا أن هذا القرار قابل للاستئناف امام الهيئة العليا للتأديب، وقد قدمت عون فوراً اعتراضاً على القرار، ويوقف اعتراض عون تنفيذ القرار لحين صدور القرار النهائي عن مجلس القضاء الأعلى. وفي هذا الوقت يحقّ لها الاستمرار في ممارسة أعمالها.
وأكدت عون أنها ستستأنف قرار الصرف الصادر بحقها، وأن الاتهامات ضدها مجرد اقاويل وملاحقات كيدية، معربةً عن ثقتها بالمجلس التأديبي، وتمنت عليه التفهم.
وأسفت عون لكونهم يلاحقون القاضي الذي يفتح ملفات الفساد، وقالت: ملفاتي ثبتها القضاء الدولي، مثل ملفات رياض سلامة، ولم اخرق القانون بل لدي ادلة.
وأضافت: يحاكمونني يا عيب الشوم، صرلي 40 سنة بالقضاء بروح وبجي، يلاقوا علي مخالفة عليي، بشتغل من كل قلبي وانا مؤمنة مش خايفة من الناس لو قتلوني، انا بخاف الله ومع الناس الموجوعة.
وعلّقت عون على خلاصة القرار قائلةً: «شو بلا ضمير».
وقالت المحامية باسكال فهد في بيان، الى انه بوكالتها عن القاضية غادة عون: إن القرار الصادر عن المجلس التأديبي للقضاة مخالف للقانون برمته، ويشكل طعنة نجلاء في صدر العدالة أصابها مقتلاً، وترهيباً وتدجيناً لكل محاربي الفساد في لبنان ، وتشجيعاً للفاسدين على ملاحقة كاشفي الفساد وترهيبهم.
اضافت: ان القرار المذكور غير نافذ، وسنقوم بتقديم طعن به امام الهيئة القضائية العليا للتأديب، وسوف تستمر القاضية عون بممارسة مهامها وصلاحياتها في محاربة الفاسدين وسارقي المال العام كاملة.
ونفذ عدد من مناصري القاضية غادة عون وقفة تضامنية معها أمام مدخل قصر العدل.
وفي سياق قضائي آخر، اصدر وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري، تعميماً على القضاة قضى بـ«وجوب التّقيّد بالأحكام القانونيّة، والامتناع عن الظّهور الإعلامي بجميع أشكاله، وعن اتّخاذ أيّ موقف علني على أيّ منصّة إعلاميّة أو إلكترونيّة أو غيرها، من دون الحصول على إذن مسبق من المرجع المختص».
وتعقيباً على تعميمي وزير العدل، ذكّر نادي قضاة لبنان ببيان مجلس القضاء الأعلى تاريخ 20 آذار 2018، «الذي أكّد على ثوابت لا يمكن الحيد عنها، وأهمها: أنه لا يجوز لوزير العدل توجيه تعاميم للقضاة، كما أن المجلس لا يعد آداة تنفيذية لهذه الغاية، عملاً بمبدأ استقلالية السلطة القضائية، ولا يجوز لأي سلطة دستورية أن تطغى بعملها على عمل سلطة أخرى».
وجاء في البيان: أن نص المادة 44 من قانون القضاء العدلي يلحظ بوضوح أن القضاة مستقلون ولا يمكن نقلهم أو فصلهم عن السلك القضائي إلا وفقا لأحكام القانون، فلا رئيس مباشر أو غير مباشر للقاضي كي يخضع له أو كي ينفّذ تعليماته أو أوامره، وليس هناك قيادة وريادة في القضاء لا قانوناً ولا واقعاً.
كما اعتبر ان «تعميمي وزير العدل يضربان استقلال السلطة القضائية وأساسيات العمل القضائي ويعتبران بحكم غير الموجود».
وليلاً، تجمع انصار «التيار الوطني الحر» امام منزل رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود، في بلونة في كسروان، دعما للقاضية عون، واحتجاجاً على ما وصفوه بالقرار التعسفي، والظالم بحقها، والمتخذ من المجلس التأديبي.
وفي هذا اطار قضائي متصل، حضر شقيق حاكم مصرف لبنان، رجا سلامة أمس الى قصر عدل بيروت، للادلاء بافادته امام الوفود الاوروبية. وافيد ان الوكيل القانوني لرجا سلامه لم يحضر جلسة الاستماع على اعتبار أن موكله مستمع اليه وليس مشتبها به.
وعلى صعيد معالجة ذيول احداث خلدة، وضع لقاء وفد العشائر العربية مع الرئيس نبيه بري في عين التينة الاطار العملي لتحقيق مصالحة بين العشائر وحزب الله، وايجاد حل لقرارات المحكمة العسكرية في ما خص العقوبات التي طالت شبانا من العشائر.
وخلال اللقاء، اشاد الرئيس مبري بالمسؤولية الوطنية والقومية العالية التي جسدتها العشائر العربية في درء الفتنة التي حاول البعض إيقاظها في خلدة قائلاً: «يخطئ من يظن أن اللقاء مع العشائر العربية هو لقاء مستجد أو طارئ بين سنة وشيعة أو أن الخلاف والاختلاف مع العشائر العربية إن حصل لا سمح الله هو خلاف بين السنة والشيعة ابدا على الاطلاق، فاللقاء هو القاعدة والخلاف هو الإستثناء ولا يفسد في الود وفي الاخوة قضية».
وأضاف: «إن اللقاء والتلاقي هو دائم وهو لقاء الفرع مع الفرع ولقاء الأصل مع الأصل لقاء الجسد الواحد الذي إن اشتكى فيه عضو يجب ان تتداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى».