كتبت الجريدة
لا شك أن الانتخابات الرئاسية في لبنان هي ضرورة لانتظام الحياة الدستورية والسياسية في بلد يعج بالأزمات ويضج بالانهيارات، وما زال سياسيوه يتناحرون ويتنكادون ويتناسون معاناة الناس! فمنصب الرئيس- ورغم ما يقال عن تراجع أهميته في دستور الطائف- هو واحد من أهم المواقع السياسية في لبنان، حيث يتولى بموجب الدستور مهام رئيس الدولة وهو رمز وحدة الوطن، والساهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، وهو المنصب الأرفع في الجمهورية، وإلا لما عاند السياسيون وعطّلت الدولة وشلّت مصالح الشعب عند كل استحقاق رئاسي! لرئيس الجمهورية صلاحيات دستورية واضحة يمارسها تجاه كلا السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث له بالاتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو رئيس مجلس النواب إلى عقود استثنائية وتأجيل انعقاد مجلس النواب إلى أمد لا يتجاوز شهراً واحداً، كما له في حالات محددة الطلب إلى مجلس الوزراء حلّ مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة، فإذا قرّر مجلس الوزراء حلّ المجلس يصدر رئيس الجمهورية مرسوم الحلّ، وهو الذي يصدر القوانين وفق المهل المحددة في الدستور ويطلب نشرها أو إعادة النظر بها. ولرئيس الجمهورية بعد مضي أربعين يوماً من طرح مشروع قانون معجّل على مجلس النواب وإدراجه في جدول أعمال جلسة عامة دون البتّ به أن يصدر مرسوماً قاضياً بتنفيذه بعد موافقة مجلس الوزراء. من ناحية أخرى للرئيس مراجعة المجلس الدستوري في ما يتعلّق بمراقبة دستورية القوانين، وله اقتراح إعادة النظر في الدستور من خلال الحكومة، وهو الذي يصدر القانون المتعلق بتعديل الدستور، ويحقّ له خلال المدّة المعينة للإصدار أن يطلب إلى المجلس بعد اطلاع مجلس الوزراء إعادة المناقشة في المشروع مرّة أخرى. أما عن صلاحيات رئيس الجمهورية تجاه السلطة التنفيذية، فهو الذي يسمي رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة، فيصدر مرسوم التسمية منفرداً، ومن ثم يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، وهو الذي يدعو مجلس الوزراء استثنائياً كلّما رأى ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ويترأس المجلس عندما يشاء دون أن يشارك في التصويت، ويطلعه رئيس مجلس الوزراء مسبقاً على المواضيع التي يتضمنها جدول أعمال المجلس وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث، كما يعرض رئيس الجمهورية أي أمر من الأمور الطارئة على المجلس من خارج جدول الأعمال. ويصدر رئيس الجمهورية المراسيم ويطلب نشرها، وله حقّ الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتخذها المجلس خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية… إلخ. *** في حين سادت القناعة شبه التامة والعامة أن الانتخابات الرئاسية في هذا البلد الفريد بمجتمعه وأحواله وسياسته هي مسألة إقليمية ودولية قبل أن تكون استحقاقاً وطنياً داخلياً من المفترض أن يمرّ بسلاسة كل ست سنوات، وهي المدة الدستورية للولاية الرئاسية، يبقى للأسئلة البسيطة التقليدية وجودها ومنفعتها، فكيف يؤتى بالرئيس اللبناني؟ ومتى سنسمع باسمه يتردد على شاشات التلفزة؟ ومن سيكون الرئيس العتيد؟ أسئلة لا يمكن لأي بشري ادعاء معرفته لأجوبتها الواضحة والحاسمة، فلا يملك المرء والحال كذلك سوى التحليل والتوقع وربما التمني، وذلك لأن الواقع اللبناني مفتوح على كل الاحتمالات تبعاً للتحولات الإقليمية وحجم الاهتمام الدولي والتوافق الداخلي. وكل هذه الأمور لم تنضج المواقف المتأتية عنها بعد، فلا يشغل لبنان حالياً أي دائرة من دوائر الاهتمام الدولي، ولم يكن التفاهم السعودي-الإيراني حاسماً في بت موضوع الرئاسة اللبنانية، وبالمقابل فإن جميع الأطراف والأحزاب اللبنانية المؤثرة في هذا الشأن ما زالت تلعب في الوقت الضائع، وتتسلى بفرض بعض الثقل في موازين الصراع المحلي بانتظار أن تقايض أو تساير أو تخضغ لما سيأتيها من تعليمات خارجية من الدول التي ترتبط بها أو تتحالف معها أو تأتمر بتوجيهاتها! من الناحية الدستورية فإن كيفية انتخاب الرئيس واضحة، حيث وفق المادة (73) من الدستور اللبناني يلتئم مجلس النواب قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدّة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر بناءً على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس، وفي جميع الأحوال تنص المادة (75) على اعتبار مجلس النواب الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي عمل آخر، وبموجب المادة (49) من الدستور اللبناني ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التالية. ورغم وضوح النص الدستوري باعتبار المجلس مجتمعاً حكماً وملتئماً لانتخاب الرئيس قبل أن يحق له حتى مناقشة أي موضوع آخر، ما زال السياسيون في لبنان يماطلون في الاجتماع ويمارسون أبشع أنواع النكد السياسي، ويفاوضون للحصول على أكبر قدر من المكاسب! وبعد أن ظهرت تعقيدات الإجابة عن «كيف» تتأتى صعوبة الإجابة عن «متى» وبالطبع عن «من»، حيث استساغ كثير من المتابعين للشأن اللبناني والمعنيين به- من داخل لبنان وخارجه- كل ما يحيط «بالطبخة» الرئاسية الموضوعة على نار التفكك الداخلي والاختلافات الحادة بين القوى المؤثرة سياسياً وانتخابياً، فجادوا في توصيفها، وتمادوا في تحليل مكوناتها، وتوقعوا استواءها، وهي في نهاية المطاف تبدو وكأنها «طبخة بحص» لا تسمن ولا تغني من جوع! قد تفرض المعادلات والمصالح رئيساً للبنان بأسرع وقت، وقد يطول الأمر إذا ما تلاشى أو ضعف الاهتمام بالملف اللبناني، وفي جميع الأحوال سيكون الأمر مفاجئاً وسريعاً ودون مقدمات لافتة، إذ سيتفاجأ اللبنانيون- كما غيرهم- بتوجيه الدعوة لانعقاد جلسة الاقتراع، وسيبدأ الإعلام بالترويج للاسم المتفق عليه، الذي مهما كان اسمه أو تخصصه أو انتماؤه، سيكون في مواجهة ملفات دسمة وكبيرة ليس أقلها الأزمة المالية والاقتصادية العاصفة بلبنان. ***أخال نفسي عندما أسمع أو أقرأ هذا الكم الهائل والمعقد من التحليلات السياسية ذات الصلة بالانتخابات الرئاسية اللبنانية أمام انتخابات ستغيّر وجه التاريخ أو تحدد مصير العلاقة بين كوكب الأرض وغيرها من كواكب وشموس درب التبانة!