تحت عنوان “تجارة إفتراضية تمولها جيوب الموظفين”
:كتب فؤاد بزي في جريدة الأخبار
انهيار قيمة الليرة، ومعها الرواتب التي تتدنّى قيمتها يومياً، وإغراء الدولار، كل ذلك يدفع كثيرين إلى التفتيش عن مصادر دخل أخرى في مجالات لم تكن يوماً بين خياراتهم العملية. جولة بسيطة على «حالات الواتساب» لعدد من الموظفات والموظفين، تظهر انخراطاً واسعاً لهؤلاء في عالم التسويق الإلكتروني، حتى باتوا «جيوشاً إلكترونية» لدى «شركات» وجدت فيهم أرضاً خصبة لتوسعة أعمالها وزيادة أرباحها… وإغراقهم في مزيد من الديون، إذ تشير إحصاءات حديثة إلى «خسارة 99% من المتعاملين مع شركات التسويق أموالهم، وانسحاب 95% منهم بعد عام واحد من العمل»، فيما «تبدأ الخسارة بـ200 دولار، وتصل إلى نحو 1000دولار قبل الخروج».
يوضح موظّف في المالية أن «الورطة»، كما يسمّيها، بدأت بعرض زميلة عليه العمل في التسويق الإلكتروني. قالت له: «الأمر سهل. تتابع بعض الدورات عبر الإنترنت، وتبدأ العمل، بعد أن تشتري بضاعة بقيمة 200 دولار، أو الاستفادة من عرض أكبر في حال استثمرت في 1000 دولار». الجملة الأخيرة لم تكن مطمئنة، إذ إنّ «البضاعة كانت مستحضرات تجميل غير معروفة في السّوق اللبناني»، ولكنّ الحاجة دفعته إلى التجربة. «في البداية، كان الأمر مبشّراً. تحضر لقاءً افتراضياً عبر تطبيق زووم فيه كثير من الكلام التحفيزي الذي يدخل في خانة التنمية البشرية». بعد الموافقة على الانخراط في العمل يتم إنشاء حساب لـ«الموظف» الجديد في الشركة، ويدفع «ما لا يقلّ عن 200 دولار ثمناً لمنتجات تبقى في الشركة». فيما «الوظيفة» الجديدة تهدف إلى أمرين: بيع المنتجات وجذب مندوبين جدد. إلا أن التركيز أكبر على الهدف الثاني، «حتى تكاد تظن أن الهدف لم يكن يوماً بيع المنتجات!»، على ما تقول سارة، وهي ضحية أخرى للتسويق الإلكتروني. أما المنتجات التجميلية المطلوب تسويقها، «فلم ترغب أي من صديقاتي أصلاً بشرائها لأنها غير معروفة، وغير مجرّبة، وأغلى من الماركات العالمية!». حينها أدركت سارة حيلة «التسويق الهرمي أو الشبكي» الذي لا يهدف إلى ترويج منتج بعينه، بل إلى إدخال منتسبين جدد يدفعون مبالغ للشركات تذهب بمجملها إلى المحرّك الأساسي للشبكات، وتعود نسبة ضئيلة منها لمن يتمكن من جذب «موظف» جديد.
شركات وهمية للتجنيد
تؤكد تغريد، وهي موظّفة وقعت ضحية شركة تسمى «جونيس»، أنّ «الاستهداف ليس عشوائياً، بل يفتشون عن أكثر الطبقات حاجة إلى المال، ويبنون معها جسور تواصل». ما أثار ريبتها في البداية «طلب لائحة من 250 اسماً بكلّ معارفي، وأسماء أصدقائي الافتراضيين على مواقع التواصل»، و«طلب الشركة مني التواصل مع كل منهم، ولو لمرّة واحدة، لعرض العمل عليه». رغم ريبتها، لم تتوقف تغريد عن العمل محاولة ترويج المنتجات واستهداف زملاء جدد. بدأت بـ 500 دولار استدانتها قبل أن تتراكم الدّيون عليها إلى حدود 4000 دولار، و«في كلّ مرة كنت أسعى لسدّ العجز، أجد نفسي واقعةً في دين جديد بسبب عدم قدرتي على بيع المنتجات، ففضّلت الخروج بهذه الخسارة، وعدم المراهنة أكثر لأنّ العمل صار يستهلك كلّ وقتي، فأهملت أولادي وبيتي وعملي».
التدقيق في أمر «جونيس» لا يتطلّب أكثر من جولة على الإنترنت. موقع الشركة لا يعرض سوى بعض المنتجات التجميلية، والكثير من الترويج لطرق الحياة الصحية، فيما يظهر البحث إشارة عدد من المواقع الحقوقية إلى «مراجعات عديدة تحذّر من عملها ومنتجاتها، وشبهات تحوم حول اعتمادها التسويق الهرمي كوسيلة للربح»، وأنّ «هناك 16 دعوى قضائية مرفوعة على هذه الشركة بتهم الاحتيال». أما البحث في أسماء المؤسسين والمديرين فلا يظهر لهم أثر على مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها موقع «لينكد إن» الخاص بالأعمال.
مكافحة جرائم الاحتيال الإلكتروني
يفيد منسّق اللجنة القانونية في المرصد الشعبي جاد طعمة بأنّ «بوسع كل من تعرّض لعملية احتيال على شبكة الإنترنت التوجه إلى القضاء لتقديم شكوى، تتحوّل إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، الذي أُنشئ بهدف ملاحقة هذا النوع من الجرائم حصراً قبل حرفه عن مساره نحو تتبّع المدوّنين على مواقع التواصل». ويشير طعمة إلى «قدرة المكتب التقنية على تتبّع مصادر الاحتيال، وإن كانت في لبنان يمكن عندها التوسّع في التحقيق، وفي حال كانت في الخارج، تجري مراسلة الدولة حيث المصدر».
عن الإجراءات الوقائية، يقول طعمة إن «على المكتب إصدار نشرات تحذيرية عند رصد أي وسيلة غش واحتيال جديدة». أمّا القضاء، فيذهب أبعد من ذلك، ويمكنه «اتخاذ قرار مدته 30 يوماً، قابل للتجديد مرة واحدة، خلال فترة التحقيق يقضي بإلغاء خدمات الموقع، أو حجبه، أو مسح كلّ الحسابات عليه»، وهذا الأمر يتم بالاستناد إلى قانون «المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي 81/2018»، ومن بعدها يعود الأمر إلى قاضي الحكم لاتخاذ القرار الأخير.