جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة
كم تبدو مفيدة العودة إلى الأمثلة القديمة. « القمح الصليبي» جرّ على الشرق ويلات الحرب والإقتتال، ودفع المسيحيون ثمنه غالياً، فيما الحقيقة أن هذه الحرب التي اتخذت الصليب شعاراً لها، كانت كما يطلق عليها البابا شنوده، طيّب الله ثراه:» حرب الفرنجه»، مبرّئاً مسيحيّي المنطقة العربية من الإتهامات التي كيلت لهم سابقاً، وما تزال تُكال لهم عندما تقوى شوكة الأصوليات والأصوليين.
تعود بي الذاكرة إلى قصيدة احمد شوقي التي يقول مطلعها:
يا فاتح القدس خل السيف ناحية
ليس الصليب حديدا كان بل خشبا
واعلم بأن وراء الضعف مقدرة
وأن للحق، لا للقوة الغلبا.
وفي ذلك أن الصليب قدّ من خشبة، لا من حديد، والانتصار به هو انتصار للمغفرة، والتسامح، والرجاء، والفداء. ومن هنا يمكن القول أن اتباعه هم الهدف الرئيس للصهيونية تنكل بهم بأشكال شتى، ولو انها لم تبدهم جسديا. يكفي النظر الى حال مسيحيي فلسطين،وتناقص اعدادهم الدرامي، وتراجع حضورهم في الارض التي ولد فيها يسوع الناصري، وترعرع، وصلب، وقام حيا من بين الاموات، لمعرفة مقدار الكراهية التي تكنها إسرائيل للمسيحيين. وما» تفريخ» الكنائس المتهودة بدعم من الصهيونية العالمية وتمويلها، والاستيلاء على كنائس محلية،تاريخية واوقافها، وممارسة بدع لا تمت إلى الديانة المسيحية بمذاهبها وكنائسها المعهودة، إلا الدليل على المنحى الالغائي المتعدد الوجه والمنهج والاسلوب للدولة العبرية.
إنتقالا إلى لبنان، فإننا، وللأسف، نفتقد إلى القرار الوطني في مواجهة استحقاقاتنا الكبيرة والصغيرة. وكأن وطن الحرف، الزاخر بالمبدعين، ورجالات الفكر والفلسفة والادب والقانون والعلم،لا يزال تحت سن الرشد ويحتاج إلى وَصي.
نقول ذلك فيما وسائل الإعلام- على انواعها- تتناقل اخبار الاستحقاق الرئاسي، وكأنه شأن دولي- اقليمي، وأن دور الساسة اللبنانيين، ولاسيما النواب منهم، هو دور الـ « كومبارس»، لا رأي لهم في ما يجري وراء « الكواليس». هذا تشد أزره باريس وتعمل على تسويقه، وذاك ترفضه واشنطن، وهؤلاء ينتظرون ما سيسفر عنه التقارب السعودي - الإيراني، وهكذا دواليك فيما شريان الوقت ينزف مهدرا العديد من الفرص التي يمكن التقاطها لوقف الانحدار السريع إلى ما بعد قعر القعر.
مرشح مطروح لا يتفق معارضوه على مرشح يواجهه، حوار مقطوع بين الافرقاء فيما الرئيس هو لكل اللبنانيين، وليس حكراً على فئة أو طائفة دون الأخرى، الميثاقية المطلوبة متعثرة ومتعذرة حتى الساعة بسبب الانقسام الحاد بين المعنيين مباشرة بالموقع الأول في البلاد.
ماذا يعني ذلك كله، سوى العجز عن إنتاج رئيس للجمهورية يكون صناعة لبنانية، ويعكس توافق اللبنانيين. هل نحن قاصرون عن اختيار الرئيس المناسب من دون الاستعانة بالخارج « صديقا» كان ، أو « حليفا». فكيف يمكن للرئيس الهابط ب» الباراشوت» أن يحكم وسط واقع معقد، لا ثابت فيه الا المتحول؟ وهل يستطيع أن يغضب من اوصله اذا اضطر إلى خيارات لا تتماشى مع مصالح الجهة التي اوصلته إلى الرئاسة الأولى؟ ألا يتعين عليه أداء جزية عالية وموجعة اذا فعل ما نهته عنه؟
لسنا متغافلين عن التأثير الخارجي في استحقاق بمثل هذه الخطورة، ولكن هل نسلم أوراقنا للخارج ولا نستبقي منها شيئاً بأيدينا.
حذار إيداع كل « البيض» في سلة الخارج،» ما في شي ببلاش». ولنتذكر قول الشاعر:
إن ابن آدم لا يعطيك نعجته
إلّا ليأخذ منك الثور والجملا
لو يعلم الكبش أن القائمين على
تسمينه.. يضمرون الشرّ ما أكلا.
وعنّا لأمر كل طامح في الوصول إلى قصر بعبدا: « زوان بلادك ولا القمح الصليبي».