أسباب قلق “التيار” من الانتخابات البلدية وحماسة “القوات”؟



النهار _ جاد فياض
يقترب موعد الانتخابات البلدية والاختيارية، وبالرغم من دعوة الهيئات الناخبة، يبقى الشك في حصولها سائداً.
بالتوازي مع عمل وزارة الداخلية والبلديات على إعداد اللوائح المطلوبة والتأكيد على الجهوزية اللوجستية، يبدو الحماس مفقوداً لدى أحزاب الحكومة، الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر، تحت حجة عدم وجود الاعتمادات، فيما حقيقة الأمر وفق ما يؤكّد مطّلعون أن نتائجها قد لا تُجاري رغباتهم.

على الساحة المسيحية، فإن حزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” يريدان إجراء هذا الاستحقاق وفق ما ظهر في جلسة اللجان المشتركة الأخيرة، حينما احتدم النقاش حول مسألة التمويل، فكان الطرح القواتي – الكتائبي غير المنسّق الاستعانة بأموال حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي، وهي الفكرة التي تحدّث عنها رئيس حزب “القوات” سمير جعجع، والتي جوبهت برفض قاطع من قبل نواب حركة “أمل” علي حسن خليل وغازي زعيتر.

في مقابل حماس “القوات” و”الكتائب”، ثمّة برودة “غير مستغربة” لدى “التيار الوطني الحر” وانكفاء عن المواجهة لإنجاز الاستحقاق. وهو كان قد تطرّق في البيان الصادر عنه قبل أيام إلى العوائق، منها غياب التمويل وعدم استعداد الأساتذة للمشاركة في أقلام الاقتراع نتيجة إضرابهم عن العمل، بالإضافة إلى عدم تأمين المعاملات للمرشّحين لإتمام ترشيحاتهم قانونياً بسبب إضراب موظّفي معظم الدوائر الرسميّة.

خشية التيار من الانتخابات تنطلق من نقطتين؛ النقطة الأولى تراجع شعبيته في المناطق عقب الخلافات الداخلية الحاصلة في أروقة “الوطني الحر”، والتي تنسحب على المناطق، وتنعكس استقالات، كان آخرها في بلدة العيشية، مسقط رأس قائد الجيش جوزيف عون، وقبلها جزّين حيث الخلاف بين “التيار” وزياد أسود. أما النقطة الثانية، فتكمن في ضعف نفوذ “التيار” بعد انتهاء عهد مؤسّسه ميشال عون، ونهاية حقبته السياسية، وتراجع شعبيته.

لذلك، في حال حصول الاستحقاق البلدي في موعده، فإن الأنظار ستكون شاخصة نحو الساحة المسيحية، بعد الانتخابات النيابية التي حققت فيها “القوات” تقدماً عددياً على “التيار”، وتقلّصت بعدها حجم كتلة الأخير، كما أظهرت عودة “الكتائب” إلى تفعيل حضورها، وأدّت إلى ظهور شخصيات مسيحية مستقلّة. هذه الخريطة الجديدة، بحسب ما يشير خبراء، ستؤثر على أرقام الانتخابات البلدية، ولو أن لهذه الانتخابات خصوصيتها العائلية. ومسيحياً، تُريد “القوات اللبنانية” تأكيد اتساع رقعة انتشارها من خلال خوض الاستحقاق، في حين ينأى “التيار” عن ذلك.

رئيس جهاز الإعلام والتواصل في “القوات اللبنانية” شارل جبور يؤكّد الجهوزية لخوض الاستحقاق، انطلاقاً من المبدأ الذي تعمل وفقه “القوات” وهو التجهيز للاستحقاق المقبل فور انتهاء الاستحقاق الحالي، أي مع انتهاء الانتخابات النيابية، بدأ التركيز ينصب على الانتخابات البلدية، لافتاً إلى بنية “القوات” التنظيمية والشعبية التي تمكّن الحزب من خوض الاستحقاقات وحصد النتائج الإيجابية، والانتخابات النيابية مثالاً.

وفي حديث لـ”النهار”، يُشير إلى أن المعركة البلدية تختلف بين المدن الكبرى والقرى الصغيرة. ففي الأولى، تكون المعركة سياسية بامتياز، و”القوات” ستخوضها انطلاقاً من هذا المبدأ، وستعقد التحالفات وفق ما تقتضيه المصلحة، فيما المعارك في المناطق الصغيرة قد تأخذ طابعاً أهلياً عائلياً أكثر، وهنا، يجب قراءة المزاج العام الذي يُشير إلى أفضليّة قواتيّة تمثّلت في نتائج الانتخابات النيابية والطلابية اللتين صبّتا لصالحنا.

هل تعاني “القوات” انقسامات “التيار”؟
وفي حين يعاني “التيار” من انقسامات في صفوفه، ومن نشوء “أجنحة” منشقّة عنه، فإن جبّور ينفي نفياً قاطعاً أن يكون ثمّة وضع مشابه في “القوات”، لا بل يشدّد على أنها “لا تعاني من أيّ مشكلات تنظيمية، بل على العكس، فثمّة تكامل وانسجام بين فئاتها، وسيناريو وجود لوائح متنافسة في داخل الجسم القواتي نفسه غير وارد إطلاقاً. أما في حال كان هناك لوائح متعدّدة تضم مرشّحين قواتيين، فمردّ ذلك يعود إلى العامل العائلي وليس السياسي أو الحزبي، وهذا ما قد يحصل في القرى الصغيرة، علماً بأننا نحاول تسييس الاستحقاق لتفادي الانقسامات العائلية وتوحيد اللوائح”.

على المقلب الآخر، أزمات عديدة تنتظر “التيار” في الكثير من المدن والقرى، بسبب الانقسام السياسي الحادّ الذي يعاني منه، فهناك الخلافات الحاصلة بين قيادة جبران باسيل من جهة، وقُدامى “التيار” من جهة أخرى، على سبيل المثال لا الحصر، والخلاف بين “التيار” وأمل أبو زيد من جهة، وزياد أسود من جهة أخرى في جزّين، والخلاف بين “التيار” وماريو عون في الشوف، وغياب التوافق بين إبراهيم كنعان وإدغار معلوف في المتن، وغير ذلك من الإشكالات الحزبية والسياسية.

النائب السابق ماريو عون يلفت إلى أن “التيار” وباسيل ينظّمان المهرجانات الحزبية بين الحين والآخر لاستعراض العضلات. وبرأيهما، فإنهما قادران على تحقيق النجاحات في الاستحقاقات. لكن الواقع على الأرض مغاير، فـ”الوطني الحر” ضعف، والانتخابات البلدية في حال حصلت ستُظهر حجم تراجع شعبية “التيار” في المناطق، خصوصاً في ظل المواجهة الشرسة مع باقي الأحزاب ومجموعات المجتمع المدني.

“التيار” سيدفع الثمن
وفي حديث لـ”النهار”، يعتبر عون أن “التيار” سيدفع الأثمان في الانتخابات، ويكشف عن أنّه لن يدعم لائحة “التيار” في الدامور على سبيل المثال، بل سيدعم لائحة أخرى يرى فيها “نيّة جدّية لتحسين العمل البلدي وإجراء الإصلاحات المحلية وتطوير الآداء”. وفي هذا السياق، سيناريو الدامور من المرجّح أن يتكرّر في عدد من المناطق، لا سيما في جزّين حيث من المرتقب أن يدعم زياد أسود لوائح ضد “التيار”.

ولا يعتبر عون المعركة عائلية بقدر ما هي سياسية في الانتخابات البلدية، لا بل يرى أن التغيير مقبل مع الاستحقاق في العديد من المناطق؛ وحكماً “التيار” ليس الأقوى على صعيد الساحة المسيحية، لأن الأرض تقول إن شعبيته قد تراجعت، والشوف مثال على هذا الواقع.

أما بلغة الأرقام والإحصاءات، فيُشير الخبير الانتخابي كمال فعالي إلى أن نتائج الانتخابات البلدية ستكون مشابهة لتلك النيابية، خصوصاً لجهة المدن الكبرى حيث السياسة هي أساس المعارك، في حين أن العائلات تُصبح أقوى في القرى الصغيرة والأقل كثافةً سكانية، فتنقسم العائلات، وتتوزّع الأحزاب على اللوائح المتنافسة.

ماذا تقول إحصاءات المناطق؟
في حديث لـ”النهار”، يفصّل فغالي كل منطقة وفقاً لتوازنات الانتخابات النيابية، فيُشير إلى أن الأفضلية “قواتية” بشكل عام. لكن الوقائع قد تتغيّر في حال تبدّل التحالفات، خصوصاً أن القانون المعتمد أكثريّ وليس نسبياً، وبالتالي تحالف قوّتين ضعيفتين قد يُطيح بالقوّة الأقوى في المنطقة:

– في زغرتا، الأفضلية لتيار “المردة”، ويتفوّق بالأرقام حتى ولو تحالف “القوات” و”التيار” وميشال معوّض بوجهه.

– في شكّا، الأفضلية لحزب “القوات”، ثم “المردة” فـ”التيار”، وتحالف الأخيرين قد يُطيح بالقوات. لكن ذلك مستبعد نسبةً إلى المعركة السياسيّة الدائرة بين التيارين.

– في البترون الأفضلية لـ”التيار” من دون منازع.

– في بشرّي الأفضليّة لـ”القوات”.

– في زحلة، الأفضليّة قواتية، ثم “التيار”، فميشال الضاهر وميريام سكاف، والتحالفات المكثّفة بوجه “القوات” قد تُطيح به. لكن ذلك يعتمد على شكل التحالفات.

– في جبيل، “القوات” متفوّقة من خلال زياد حوّاط، وثمّة حضور أقلّ للتيار “الوطني الحر” و”حزب الله”، وحضور متواضع نسبيّاً لنعمة أفرام.

– في جونية، الأفضلية لنعمة أفرام، ثم لـ”القوات”، فمنصور البون، و”التيار”، وفريد الخازن.

– في جزّين، الأفضلية لـ”القوات”، زياد أسود، إبراهيم عازار، ثمّ أمل أبو زيد والتيار “الوطني الحر”.

– في المتن، الأفضلية لحزب الطاشناق، ثم لـ”القوات”، “التيار”، “الكتائب”، ميشال المر وجاد غصن (مجتمع مدني). لكن وجب التذكير بأن أصوات التيار توزّعت بين إبراهيم كنعان، إدغار معلوف، وإلياس بو صعب، وهؤلاء ليسوا على وفاق تامّ في ما بينهم بسبب الخلافات السياسية والحزبية، لكن من المستبعد أن يخوضوا الانتخابات بوجه بعضهم.

يعود فغالي ويشدّد على أهمية التحالفات السياسية التي قد تقلب المعادلة، وتُطيح بمن يتمتع بأفضلية، لأن القانون أكثري، كما أن للعائلات مساحة نسبية، ووجب التذكير بالضعف المالي الذي تعانيه الأحزاب، والذي قد يحول دون التحضير جيداً، بالإضافة إلى الانقسامات الحزبية والسياسية، وفق فغالي.

لا علاقة للانتخابات النيابية بالبلدية
لكن للباحث في “الدولية للمعلومات”، محمد شمس الدين، رأي آخر، إذ يرى ألا علاقة بين الانتخابات النيابية وتلك البلدية، ويُشير إلى أن الأخيرة لها طابع محلّي أكثر منه سياسي، وقد ينقسم مؤيّدو الأحزاب في لوائح متنافسة لاعتبارات عائلية. وبالعادة، فإن الأحزاب السياسية لا تحبّذ إجراء هذا الاستحقاق.

وفي حديث لـ”النهار”، يلفت إلى أن هذه القوى السياسية تتهرّب من الانتخابات البلدية لتفادي الانقسامات في صفوفها، والتي قد تُحدثها العائلات. وقد ترفع بعض الأطراف السقف وتدعو لإجراء الانتخابات، لكن هذا يندرج في إطار المعركة السياسية في البلد، كحال إصرار “القوات” الذي يعود سببه إلى رفض حركة “أمل”.

كذلك يتطرّق شمس الدين إلى الاعتبارات التي يكون لها وقعها على نتائج الانتخابات البلدية، منها العائلات، المال، والحضور الشخصي للمرشّحين الذي قد يكون أقوى من حضور بعض الأحزاب في بعض المناطق.

ستكون “الساحة المسيحية” مشتعلة في الانتخابات البلدية، وقد تكون بمثابة محاسبة شعبية للأحزاب المسيحية الأقوى نسبةً إلى الأداء منذ الانتخابات النيابية وفي ظلّ المعركة الرئاسية، مع الأخذ بعين الاعتبار الاعتبارات العائلية. فهل تُحافظ “القوات” على تقدّمها بمواجهة “التيار”، أم أنّ الاستحقاق سيكون بمثابة ضربة للطرفين؟