كتبت النهار
لماذا لم يكن في إمكان رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل القيام بأي عمل يميّزه عن حليفه "حزب الله" أو يبعده عنه تجنّباً لعقوبات كانت الولايات المتحدة تتحضّر لفرضها عليه؟ لأن موعد الانتخابات النيابية الأخيرة كان قد اقترب، يجيب المتابعون اللبنانيون من قرب حركة "الحزب" داخلاً وخارجاً، ذلك أن الأجواء الشعبية داخل كل طائفة أو مذهب أو دين أو كل شعب، وهي التسمية التي أفضّلها لا اقتناعاً بها بل لأنها أمرٌ واقع، لم تكن في مصلحته سياسياً وانتخابياً. فالمسلمون السنّة أو بالأحرى غالبيتهم لم تحبّه يوماً كما لم تحب رئيسه ووالد زوجته ميشال عون سواء يوم كان "جنرالاً" ثم رئيساً لحكومة عسكرية فمؤسِّساً لـ"التيار الوطني الحر" وأخيراً رئيساً للجمهورية اللبنانية. ولا يدلّ ذلك على اقتناع رئيس الحكومة الأسبق المعلّق عمله السياسي لسببين داخلي وإقليمي سعد الحريري بأهلية عون لأن يصبح رئيساً للبنان أو باستحقاق الموقع. ذلك أن غالبية السنّة التي أحبّته ووثقت به لأنه ابن الشهيد رفيق الحريري لم ترتح لإسهامه الكبير في إجلاس عون على الكرسي الرئاسي في قصر بعبدا، علماً بأنه اكتشف خطأه وانعكاسه سلباً على السنّة واللبنانيين كلّهم ولا سيما بعد معاناته الشديدة مع الرئيس وولي عهده، رغم "العاطفة الأبوية" التي أظهرها له الأول بعد "أسره" في المملكة العربية السعودية والجهد الذي بذله لإعادته الى بلاده. طبعاً لا يعني ذلك شكاً في "العاطفة" المشار إليها، لكنه يعني انتفاء الرغبة عنده في تعديل تعامله مع رئيس حكومة بلاده كما في تعديل مواقف صهره باسيل المعادية له وربما لمن يمثّل ولا سيما بعدما توثّقت العلاقة بينهما بحيث صارا واحداً. يعني أيضاً أن السنة عموماً، أخصاماً للحريري كانوا أو حلفاء، صاروا شبه واثقين بأن رئاسة الحكومة التي خصّصها "اتفاق الطائف" لهم صارت هدفاً لعون وباسيل من خلال إصرارهما على السيطرة عليها بثلث معطّل مع حليفهما الشيعي "حزب الله" وعلى تمثيل الرئيس شخصياً فيها كما على حصر التمثيل المسيحي بمحازبين لهم ومناصرين.
والمحمديون الدروز بغالبيتهم لم يكونوا حلفاء له لأسباب عدّة صارت معروفة جداً لفرط تكرارها باستثناء فريق سياسي معارض لهم ومتحالف مع "التيار العوني" وحليفه "حزب الله". أمّا الشيعة فقد انقسموا فريقين رغم أنهم صاروا أنموذجاً في وحدة الصف التي سمّوها "الثنائية الشيعية"، الأول وهو "حزب الله" تبنّى عون للرئاسة أقنع حليفه زعيم "تيار المردة" سليمان فرنجية بالتخلّي عن رئاسةٍ مضمونة بفعل تأييد الفاتيكان والولايات وفرنسا والمملكة العربية السعودية و"تيار المستقبل" وشريكه في "الثنائية الشيعية" الرئيس نبيه بري وصعوبة رفض "القوات اللبنانية" ذلك، أقنعه أي فرنجية بالتخلّي عن طموحه الرئاسي لدورة مقبلة. أمّا المسيحيون، رغم الاستدارة المفاجئة لرئيس "القوات" سمير جعجع تجاه "أخيه" الذي كان عدواً له أي الجنرال عون وتوقيعه وإيّاه "تفاهم معراب" ثم تأييده له لرئاسة الجمهورية، ورغم عودة الوحدة الى صفوفهم، فإنهم عانوا كثيراً منه ومن صهره. وفي مقدم هؤلاء "القوات" و"حزب الكتائب" وشخصيات وتجمّعات مسيحية عدّة كان أبرزها "تيّار المردة".
هذا الجوّ غير الإيجابي تجاه "التيار" ورئيسه الحالي باسيل ومؤسّسه الجنرال عون هو الذي دفع الثاني الى التريّث في "الاختلاف" مع حليفه "حزب الله" رغم أن بوادره كانت قد ظهرت قبل ذلك بكثير في الانتخابات النيابية ما قبل السابقة إذا جاز التعبير على هذا النحو وعلى أكثر من ملف. ذلك أن الإحصاءات التي كان قد أجراها للانتخابات النيابية الأخيرة أي التي أُجريت في أيار من العام الماضي قبل أشهر قليلة من حصولها أطلقت "جرس الإنذار" في رأسه إذ أظهرت أن شعبيته المسيحية تدهورت عن السابق، علماً بأن ذلك كان ملاحظاً من الرأي العام المتنوّع في البلاد. وأكدت له أنه لن يحصل على أكثر من تسعة نواب في المجلس الجديد إذا استمر في مناكفة "حزب الله"، وسيتسبّب ذلك بقطيعة بينهما أو ربما بإنهاء لـ"تفاهم مار مخايل" لعام 2006 فـ"طرّاها" كما يُقال وخاض الحزبان المعركة الانتخابية كأنهما حزب واحد رغم أن "الطبع الذي يغلب دائماً التطبّع" لم يخفّف كثيراً من المناكفة الباسيلية. وكانت النتيجة استعادة "التيار الوطني الحر" 19 مقعداً نيابياً من أصل 22 أو أكثر كانت له سابقاً من دون احتساب الحلفاء في كتلته النيابية. وما كان ذلك ليحصل لولا "حزب الله" وأصواته وتأثيره في مناطق عدّة مثل زحلة وبعلبك والهرمل وجبيل وبيروت والمتن الجنوبي، علماً بأن مقعده النيابي عن البترون كان في خطر لولا تدخل "الحزب" لمصلحته بواسطة حلفاء له أبرزهم سليمان فرنجية المرشح للرئاسة اليوم والذي يعتبره باسيل عدواً له ويسعى بكل جهده لمنع دخوله قصر بعبدا رئيساً. طبعاً كان في عداد نوابه الفائزين عددٌ يحاولون تطرية الأمور بين رئيسهم باسيل و"حزب الله" بغية وضع حدّ أو على الأقل التخفيف من مناكفته له لكنهم لم يفلحوا، إذ اقترب الحليفان من فصل التحالف وإنهاء الشراكة التي وُصفت يوماً بالاستراتيجية. وما يمكن قوله في هذا المجال أن "تفاهم مار مخايل" انتهى لكن إعلان دفنه لم يحدّد بعد، وأن جبران خسر معركته الرئاسية وغير الرئاسية سواء انتُخب سليمان فرنجية رئيساً أو لم يُنتخب. لكنّه لا يزال يظن أن فرصته الرئاسية موجودة، كما أنه لم يفكّر قط في اختيار مرشّح جدّي بديلاً منه ومن "عدوّه" فرنجية إذا تم الاتفاق العام في البلاد على اختيار رئيس غيرهما للبلاد.