هل تتعمّد الحكومة اللبنانية دفع قطاع الاتصالات إلى الانهيار؟



عبد قطايا
برزت فضائح كبيرة وجديدة إلى العلن تكشف هدراً كبيراً وإهمالاً مقصوداً في قطاع الاتّصالات في لبنان، بالتزامن مع خطر التعتيم الشامل بسبب الانهيار الذي يحصل في قطاع الاتصالات.

الفضيحة الأولى، كما قال مصدر مطّلع لـ”سمكس”، تتمثّل في تمنّع السلطات الرسمية عن تزويد بعض سنترالات “أوجيرو” بالكهرباء المنتَجة من شركة كهرباء لبنان، على الرغم من توافر الطاقة لمدة طويلة. في الوقت الحالي، تغذّي شركة كهرباء لبنان المناطق بأربع ساعات كهرباء يومياً، ولكنّ المصدر أكّد أنّ السلطات تمتنع عن تزويد السنترالات بالكهرباء حتّى لو كانت قرب مرافق حيوية تتزوّد بكهرباء الدولة لفترة طويلة! وسأل “هل تتقصّد الحكومة انهيار القطاع بهدف بيع المازوت، ولمصلحة من؟”.

يقول مهندس الاتصالات، سلوم الدحداح، لـ”سمكس”، إنّ “ترك السنترالات تعتمد على الكهرباء المولّدة بالمازوت أمر مرفوض. فالدولة ينبغي أن تعتبر هذه السنترالات مرافق حيوية وأن تزوّدها بالكهرباء باستمرار وأن تؤمّن لها الطاقة البديلة في حال انقطاع الكهرباء”. انقطاع الكهرباء هو من الأسباب الرئيسية لتوقّف السنترالات ما يجبر وزارة الاتصالات و”أوجيرو” و”ألفا” وتاتش” على استعمال مولدات الكهرباء التي تستهلك كميات كبيرة من المازوت، وهذا ما أكّده مدير عام “أوجيرو”، عماد كريدية، مراراً بقوله إنّ “الهيئة هي ثاني أكبر منتج للطاقة في البلاد”.

أمّا الفضيحة الثانية التي انتشرت على الإعلام يوم أمس، فتتمثّل في “إجبار” الحكومة هيئة “أوجيرو” على بيع خطوط E1 بقيمة متدنية لا تتعدى 475 ألف ليرة لبنانية (نحو 4 دولار بسعر صرف اليوم) في حين تحقّق شركات المحمول “ألفا” و”تاتش” وشركات توزيع الإنترنت الثابت الأخرى أرباحاً تصل إلى أكثر من 40 ضعفاً بسبب بيع الخدمة بالدولار الأميركي. والسبب في ذلك أنّ الهيئة لا يمكنها التسعير بنفسها بل إنّ مجلس الوزراء هو من يضع التسعيرات الخاصة بـ”أوجيرو”، وفق ما أكّد موظّفو الهيئة. وخط E1 هو وصلة بينية ذات معدل سرعة ثابت تقريباً يمكن أن يتفرّع منه عدّة خطوط إنترنت.

في هذا الوقت، يواصل موظّفو “أوجيرو”، وهي العامود الفقري للبنية التحتية للإنترنت في لبنان، وهي مزوّد خدمة الإنترنت الرئيسي للإنترنت الثابت (DSL) ولشركات الاتصالات المحمولة، إضرابهم مطالبين بتحسين الأجور بعد وعود رسمية كثيرة.

تسيير المرافق الحيوية أم إدخال لاعبين جدد من القطاع الخاص؟

يوم أمس، حاول وزير الاتّصالات جوني القرم، ومن خلفه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إقحام الجيش اللبناني في موضوع فتح السنترالات المغلقة وتشغيلها بالقوة. ولكنّ معلومات صحافية أشارت إلى أنّ الجيش لن يتدخّل في عملية التشغيل وأنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيره للاتّصالات يريدان من الجيش حماية تدخّل شركة خاصة، وهي شركة “باورتك” (PowerTech)، وفقما ذكرت تقارير صحافية.

هذه الشركة “باورتك” (PowerTech)، تبیّن لديوان المحاسبة، وهو هيئة رقابية حكومية، أنّها استعانت بموظّفین فنیّين وتقنيّین وسيارات من “تاتش” علماً أنّها تقبض كامل مستحقاتها، وأنّ الموظّفين یتقاضون رواتبھم من “تاتش” لا من شركة “باورتك”. وبحسب تقرير ديوان المحاسبة الذي وثّق هدراً بمليارات الدولارات في قطاع الاتصالات في لبنان بين 2010 و2020، فإنّ “باورتك” وقّعت في عام 2018 عقد صيانة مع “ألفا” لمدة 10 سنوات بقيمة 14 مليون دولار سنوياً. ثم وقّعت في عام 2019 عقد صيانة مع شركة “تاتش” بقيمة 16 مليون دولار سنوياً. وبعد ذلك، ارتفعت الكلفة السنوية لعقد لشركة “ألفا” مع “باورتك” إلى 6.8 مليون رسوم صيانة ونحو 48 مليون دولار ثمن مازوت، على ما ورد في التقرير الذي نشر في شباط/فبراير من العام الماضي.

واليوم، بعد أيام على إضراب موظفي أوجيرو للمطالبة بتحسين الأجور، انطفأت سنترالات اتصالات في مناطق لبنانية مختلفة، ممّا أثر على الإنترنت الثابت والجوال وأدّى إلى بطء كبير في الخدمة وانقطاع الإنترنت والاتصالات عن مناطق كبيرة لا سيما النائية منها. 

ولكنّ موظّفي هيئة “أوجيرو” التي تُعدّ العامود الفقري للبنية التحتية للإنترنت في لبنان، يشيرون إلى أنّ “لا علاقة للإضراب بالتأثير على انقطاع الإنترنت، فالمشكلة في المقام الأول هي غياب السيولة لإجراء الصيانة اللازمة لمعدّات الاتّصالات ولمولّدات الكهرباء، بالإضافة إلى تزويدها بالوقود بتأمين الكهرباء”. ويكشف موظفون في حديث صحافي أنّ “الوزارة لا تستعجل إصلاح مولّدات الكهرباء في سنترالات أوجيرو وشراء قطع الغيار لها، لكنها تستعجل الاستعانة بشركة خاصة وبالجيش للالتفاف على الموظفين”.

في هذا الوقت، طالب وزير الاتصالات جوني القرم، ومن ورائه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بفكّ الإضراب ولو بالقوة، مستدعياً تدخلّ الجيش اللبناني لاستلام السنترالات، لتردّ نقابة موطفي “أوجيرو” لاحقاً بأنّها “ترحّب بالجيش اللبناني […] وأنّ جميع المراكز والمكاتب هي بتصرّفه من المركز الرئيسي إلى آخر مركز على مساحة الوطن”. بعد ذلك، حاول وزير الاتصالات القرم تهدئة الوضع عبر الدعوة مجدداً إلى الحوار، مشيراً إلى أنّ “أيّ قرار مالي بالصّرف والقبض، ليس من صلاحيّته كوزير، إنّما هذه أمور منوطة بمجلس الوزراء”.

في حين يحمّل الوزير ورئيس الحكومة مسؤولية الانهيار إلى إضراب الموظّفين، لم تطبّق وزارة الاتصالات ولا الحكومة أي خطة لحماية القطاع، ولا لترشيده والاستفادة من عائداته. حتّى أن تقرير ديوان المحاسبة الذي وثّق هدراً كبيراً على النفقات التشغيلية بنحو مليارات دولار على مدى السنين العشر الماضية لم يُنظر فيه ولم يُحقَّق في المسائل التي أثارها. بل بدلاً من ذلك، رفع الوزير والحكومة تعرفة الاتصالات المحمولة محمّلين المستهلكين تبعات كبيرة. ولم تستثمر الأموال في الاستثمار وذهب الكثير منها رواتب وأجور وترقيات، لا سيما للموظفين المحظيين.

يؤثّر رفع تسعيرة الاتصالات “بصورة كبيرة على الأفراد الأكثر فقراً وتهميشاً الذين لا يستطيعون دفع مقابل هذه الخدمات، والذين حتّى لو دفعوا تصلهم الخدمة متردية”، تقول الصحافية والناشطة في حقوق الإنسان، كريستين مهنا لـ”سمكس”. أمّا “في حال قطع الإنترنت في لبنان، سنكون أمام خطر كبير لناحية انتهاك حقوق الأفراد والأشخاص”.

ومع كل ذلك، في حين يركّز الوزير على رفع التسعيرة وفق دولار صيرفة في كل مرة، لم تقدّم ألفا وتاتش باقات مناسبة، مما أدى إلى تراجع الاستهلاك، بحسب الوزير الذي قال إنّ “صيرفة تؤثر على تعرفة الخليوي مما قد يؤثر على عدد المشتركين ونسبة الاستهلاك، وللغاية سنعقد اجتماعا مع إدارتي “ألفا” و”تاتش” لوضع استراتيجية طارئة إذا لاحظنا انخفاض عدد المشتركين”!

كان قطاع الاتصالات يدخل إلى الخزينة مليارات الدولارات، وفق الدحداح. ولكنّ “قسماً كبيراً من هذه الأموال هدر لتمويل حفلات وعشوات وأندية وحتّى تيارات سياسية، بدلاً من تحسين البنى التحتية”.

انقطاع الإنترنت “خطير جداَ”

لا تقتصر خدمات الإنترنت على التواصل بل تشمل جميع نواحي الحياة، “وإذا قطع سيكون ذلك بمثابة ضرب من الخيال، وهو ما لا ينبغي أن يسمح به أبداً”، يؤكّد الدحداح. 

يتمنى مهندس الاتّصالات أن يعود قطاع الاتصالات والإنترنت إلى النهوض، لا سيما وأنّه “يساهم بصورة كبيرة في إدخال العملات الصعبة إلى البلد، ويسمح لقسم من الناس بالعمل وعدم الهجرة من لبنان”.

ولكن في حال قطع الإنترنت، “حتى البحث عن عمل خارج لبنان سيصبح أصعب”، حسبما تؤكّد الصحافية مهنا، مضيفة أنّه “حتّى الذين يعملون حالياً عن بعد مثل الصحافيين والصحافيات، قد يفقدون أعمالهم أو القدرة على توصيل المعلومة للأشخاص عبر هذه المنصات”. يساهم انقطاع الإنترنت في “ضرب حقوق الإنسان المختلفة، مثل الحقّ في التواصل والحقّ في العمل والحقّ في الحصول على المعلومات والحق في الترفيه كذلك، بالإضافة إلى انعدام القدرة على رصد جميع الانتهاكات”.

وزارة الاتصالات والحكومة اللبنانية وجميع المسؤولين مطالبون بتوفير خدمة الإنترنت الأساسية والحيوية، وفق خطط استراتيجية وليس خطوات ارتجالية، ونطالبهم كذلك بأن يعملوا على ترشيد القطاع، ومكافحة الفساد، حتى لا نصل إلى التعتيم الشامل. فالتعتيم ينجم عنه خسائر اقتصادية هائلة، كما يساهم في زيادة انتهاك حقوق الإنسان