فرح نصور _ النهار
نحو الدولرة الشاملة دُر. فبعد الإلكترونيات والألبسة وقطع السيارات وغيرها من السلع، جاء دور السلع الغذائية؛ ومَن يدري إن لم تكن المحروقات والخبز والأدوية على الطريق. على مستوى السلع الغذائية والاستهلاكية، أعلن وزير الاقتصاد أمين سلام أنّ “التسعير بالدولار يحافظ على السعر من دون ربطه بارتفاع سعر الصرف، مع منع إضافة الهوامش بالليرة”، معتبراً أنّنا “نمرّ اليوم بظرف استثنائيّ يوجب اتخاذ إجراء استثنائيّ، ولفترة زمنية محدّدة”. إجراء بات لا بدّ منه في ظلّ تقلّبات سعر الصرف المتواصلة صعوداً، مع دولرة جميع السلع الأخرى، وسط غياب كلّي لأيّ إجراء ماليّ قد يسعف ما فقدته الليرة اللبنانية من قيمة هائلة. فماذا تعني هذه الخطوة؟ وكيف يمكن أن تطبق؟
“لهذه الخطوة إيجابيات تفوق السلبيات، فتسعير السلع الغذائية بالدولار هو لصالح المواطن”، هذا ما يؤكّده رئيس نقابة مستوردي السلع الغذائية في لبنان، هاني البحصلي، في حديثه لـ”النهار”. يقول إنّه منذ عام ونصف، تتكرّر جملة “طلع الدولار طلعت الأسعار، نزل الدولار ما نزلت الأسعار الشهيرة”، ولا إجراء لضبطها، إضافة إلى أنّه لا يمكن للتجار والسوبرماركات تغيير الأسعار بشكل متواصل بسبب التكلفة التي يتكبّدونها، لا سيما إذا ما أرادوا التزوّد بنظام تسعير آليّ لتغيير الأسعار مواكبة لسعر الصرف.
ويُضيف: “إذا ما سعّرنا السلع بالدولار، فستختفي هذه الظواهر، ومعها إجراءات الرقابة المتعددة. ومع إزالة هذه المظاهر جميعها سنشهد في المدى المتوسط انخفاضاً في أسعار السلع بالدولار”.
بالرجوع إلى المادة 665 من قانون حماية المستهلك، نجد أنها تنصّ على عرض أسعار السّلع المعروضة على الرّف بالليرة اللبنانية. لكن هذا لا يمنع – وفق البحصلي – “من التسعير بالدولار إذا كان بموازاة التسعير بالليرة اللبنانية، ولا يتعارض مع روحيه النص القانوني”. وفيما عملت النقابات المعنية مع اللجان النيابية للوصول إلى هذا القرار، لم يرَ المشرعون – وفق البحصلي – أي مخالفة قانونية في التسعير بالدولار طالما أنّ التاجر أو السوبرماركت لا يلزمان المستهلك بتسديد ثمن السّلعة بالدولار.
إنّ كل سلعة في ال#سوبر ماركت مسعَّرة بشكل مختلف، بحسب تسعيرة كل مورِّد أو كل صناعيّ أنتجها؛ وكلّ منها لديه تكلفة مختلفة. لذلك، فإنّ الصنف نفسه قد يختلف سعره بين سوبرماركت وأخرى؛ والتسعير بالدولار يلغي هذه المظاهر أيضاً. و”هنا يمكن للمواطن والدولة مراقبة الأسعار بشكل أسهل بكثير”. التاجر أو المورِّد منذ بداية الأزمة، يضطر إلى وضع هامش حماية لرأسماله لدى تسليمه البضائع للسوبرماركت في ظل التقلبات بسعر الصرف، لكن التسعير بالدولار سيُزيل تغطية فروقات سعر الصرف، وهذا الأمر لصالح المستهلك”، بحسب البحصلي.
جميع السلع غير الاستهلاكية والغذائية مسعَّرة بالدولار، ولا أحد يشتكي، لكّن أسعارها لا تزال هي نفسها بالرغم من تقلّبات سعر الصرف؛ وهذا ما سيطبَّق على السلع الغذائية. وقانون حماية المستهلك يجب أن يطبَّق على جميع السّلع وليس على الغذائية فقط. لكن تسليط الضوء على هذه السّلع وتحاشي دولرتها حتى اليوم كان بسبب كونها غذاءً للمواطن، وتمسّه بشكل مباشر.
كيف سيتغيّر التسعير في السوبرماركت؟ وبأي سعر صرف ستلتزم هذه المؤسسات؟
نقيب أصحاب السوبرماركات، نبيل فهد، وفي حديثه لـ”النهار”، يوضح بأنّ ما سيتغيّر هو أنّ “المواطن سيرى السعر بالدولار على الرفوف بدلاً من سعره بالليرة اللبنانية”. لكن لدى وصوله إلى الصندوق للمحاسبة، سيرى السعر بالليرة اللبنانية، وسيسدّده بالليرة اللبنانية كذلك وفقاً لسعر الصرف اليومي. ولهذه الغاية، ستعرض السوبرماركات لوحة أو شاشة عليها سعر الصرف بشكل واضح وظاهر، ليظهر بعدها مجموع الفاتورة بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الموجود على اللوحة.
بحسب فهد، فإنّ الـ buffer price (الأسعار المضخّمة التي تضمّ زيادة لحماية رأس المال) ستزول، مع التسعير بالدولار، فالمورِّد سيتقاضى ثمن بضاعته كما هو، وكذلك السوبر ماركت، إضافة إلى أنّ “إظهار الأسعار بشكل واضح وحقيقي يعزّز المنافسة بين السوبرماركات، ممّا سيخفّض الأسعار، ويغيب فارق الأسعار للسلعة نفسها بين سوبرماركت وأخرى”.
وينفي فهد ما يتم تداوله بأنّ دولرة الأسعار في السوبرماركات ستؤثّر على مَن يتقاضون رواتبهم بالليرة، “فهذا الأمر بعيد كلّ البعد عمّا سيحدث، إذ لا علاقة للتسعير بالدولار بالقدرة الشرائية لدى هذه الشريحة من الناس؛ فمَن مدخولة بالليرة يسدّد ثمن السلع بالليرة”، إضافة إلى أنّ هذه الشريحة ستبقى تدفع ثمن هذه السلع على سعر الصرف وكأنّها تُسعَّر بالليرة. لكن الأهم من ذلك كلّه، “الإلزامية بتسديد الفاتورة بالليرة، والخيار مفتوح لمَن يرغب في تسديدها بالدولار نقداً أو ببطاقة الدولار الفريش، أو نصف الفاتورة بالبطاقة المصرفية والنصف الآخر بالليرة نقداً”، يشير فهد.
اقتصادياً، ماذا يعني تسعير السلع الغذائية بالدولار في هذه المرحلة من الأزمة؟
“هو اعتراف من الدولة بعجزها عن ضبط الأسعار بسبب الاستنسابية بالتسعير وفق ما ذكره وزير الاقتصاد، فلو أنّها قادرة فلن يكون هناك داعٍ للتسعير بالدولار”، هذا ما يراه الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة في حديثه لـ”النهار”.
ويسأل عجاقة: “مع تعدّد أسعار الصّرف على المنصّات المختلفة والتطبيقات أيّ سعر صرف ستعتمد السوبرماركات؟”. برأيه “تسعير الدولار هو ضربة كبيرة للمواطن بالمطلق، ناهيك بأنّه مخالف للقانون”. فالقانون ينصّ بوجوب أن تكون أسعار السلع واضحة وظاهرة على الرفوف بالليرة اللبنانية.
كل ما يُشاع عن أن الزيادات التي كان يضعها التجار لحماية رساميلهم ستختفي، هي أيضاً مخالفات، وفق عجاقة؛ فالقانون واضح لجهة هامش الربح على التكلفة. إذ يحقّ للتاجر بهامش ربح معيَّن بعد تحديد تكلفة بضاعته، وعلى وزارة الاقتصاد مراقبه هذا الهامش إذا كان وفق القانون أم يخالفه، كما أنّ التجار والمستوردين يشترون الدولار من السوق السوداء من دون فواتير، وكلٌّ يشتري بسعر مختلف عن الآخر، وهذه الفوضى الحاصلة هي نتيجة لفوضى غياب الرقابة.